والحاصل إنّه في مقام التصوّر وعالم الإنشاء والجعل والتشريع يمكن تصوّر الاهتمام المولوي بأحد نحوين :
أحدهما : المرتبة العليا من الترخيص والتي تستدعي جواز المخالفة القطعيّة وهذه قلنا : إنّها معقولة ثبوتا إلا أنّها مخالفة للمرتكز العقلائي القاضي بعدم وصول الأغراض الترخيصيّة إلى هذه المرتبة من الأهمّيّة في موارد العلم الإجمالي.
والثاني : هو المرتبة الناقصة من الترخيص التي تستدعي عدم وجوب الموافقة القطعيّة والتي لازمها المحافظة الاحتماليّة على الأغراض الواقعيّة ، وهذه معقولة ثبوتا وإثباتا.
الرابعة : أنّ الدليل على استفادة المرتبة الناقصة من الترخيص لا يكون إلا بإصدار التخيير من الشارع ، وهذا التخيير لا يكون متعلّقا إلا بالجامع لا بالترخيص المشروط ؛ وذلك لأنّ الترخيصين المشروطين المراد إثباتهما من خلال إطلاق دليل البراءة مثلا لا يفيان بهذه المرتبة كما تقدّم في النقطة الثالثة.
مضافا إلى أنّ الاهتمام المولوي في الواقع إمّا أن يكون بلحاظ ملاكات الإلزام بتمامها فيوجب الموافقة القطعيّة ، وإمّا أن يكون بلحاظ ملاكات الترخيص بتمامها فيجوّز المخالفة القطعيّة ، وإمّا أن يكون بلحاظهما معا فيحرّم المخالفة القطعيّة ولا يوجب الموافقة القطعيّة ، بل يكتفي بالموافقة الاحتماليّة المساوقة للمخالفة الاحتماليّة ، والتي هي المرتبة الناقصة من الترخيص ، وهذه إنّما يمكن إبرازها بالتخيير المتعلّق بالجامع لا بالترخيص المشروط ، إذ لا وجود له في عالم الاهتمام المولوي بنفسه.
نعم ، يمكن استفادة المرتبة الناقصة من الترخيص على أساس الترخيصين المشروطين بعد إعمال التأويل وإرجاعهما إلى الجامع أي عنوان أحدهما ، فيقال : معنى الترخيصين المشروطين ارتكاب أحدهما وترك الآخر.
الخامسة : أنّ دليل الأصل قاصر عن إفادة هذه العناية ؛ وذلك لأنّ مثل قوله : « رفع ما لا يعلمون » ناظر إلى كلّ فرد مشكوك في نفسه ، وكذا قوله : « كلّ شيء لك طاهر » أو « حلال » ناظر إلى الفرد الخارجي لا إلى الجامع.
وبهذا يتّضح أنّه ثبوتا وإن كان من الممكن تصوّر الترخيص المشروط إلا أنّه ليس موجودا بنفسه في عالم الاهتمام المولوي ، وإنّما المتصوّر وجوده هناك هو التخيير المتعلّق بالجامع أي عنوان أحدهما.