والقول بإرجاع الترخيص المشروط إلى الجامع لا يمكن إلا بعناية وتأويل ؛ لأنّ أدلّة الأصول الترخيصيّة ناظرة إلى الأفراد الخارجيّة لا إلى الجامع ولا إلى الترخيص المشروط ، فلا يمكن استفادة تعلّق الترخيص بالجامع من أدلّة الأصول فضلا عن استفادة الترخيص المشروط منها ؛ لأنّ أدلّة الأصول مطلقة وليست مشروطة ؛ ولأنّها متعلّقة بالفرد لا بالجامع.
فتحصّل أنّ هذا التقييد ممّا لا يمكن المساعدة عليه ، وبالتالي لا يمكن جريان الأصول في بعض الأطراف على مسلك المشهور ، بل تتعارض وتتساقط ، وبالتالي يحكم العقل بمنجّزيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّ المانع مفقود.
وفي ضوء ما تقدّم قد يقال : إنّه لا تبقى ثمرة بين القول بالعلّيّة والقول بالاقتضاء ، إذ على كلّ حال لا يجري الأصل المؤمّن في بعض الأطراف ، ولكن سيظهر فيما يأتي تحقّق الثمرة في بعض الحالات.
قد يقال : إنّه لا فرق بين المسلكين ؛ لأنّه على كلّ تقدير يحكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة ، إمّا من باب العلّيّة وإمّا من باب تعارض الأصول وتساقطها ، ولا يجري الأصل المؤمّن في بعض الأطراف على المسلكين ، أمّا على العلّيّة فواضح لعدم إمكان التفكيك بين العلّة أي العلم الإجمالي وبين المعلول أي وجوب الموافقة القطعيّة ، وأمّا على الاقتضاء فلأنّ إجراء الأصل في بعض الأطراف ترجيح بلا مرجّح ؛ ولأنّه لا يمكن الترخيص المشروط ولا التخيير المتعلّق بالجامع.
إلا أنّ الصحيح وجود بعض الثمرات والفوارق بين المسلكين ، وستأتي الإشارة إليها في تنبيهات العلم الإجمالي (١).
__________________
(١) وعلى سبيل المثال : إذا دلّ دليل قطعي السند والدلالة على عدم وجوب الموافقة القطعيّة في مورد من موارد العلم الإجمالي كما ادّعي ذلك في جوائز السلطان مثلا ، فعلى القول بالاقتضاء يكون المورد من باب وجود المانع من تأثير المقتضي فيؤخذ بالدليل بلا إشكال ، فإنّ المنع من جريان الأصول الترخيصيّة في بعض الأطراف كان لأجل محذور الترجيح بلا مرجّح.
وأمّا على القول بالعلّيّة لا بدّ من تأويل هذا الدليل وتخريجه بنحو يتناسب مع عدم إمكان التفكيك بين العلّة والمعلول ؛ لأنّ هذا الدليل بظاهره يفكّك بين العلّة أي العلم الإجمالي وبين المعلول أي الموافقة القطعيّة ، والمفروض أنّ التفكيك بينهما ممتنع.