تعارضها ، بل لا يجري الأصل الترخيصي مطلقا ؛ لأنّه تفكيك بين العلّة ومعلولها وهو محال عقلا.
وقد تلخّص ممّا تقدّم أنّ العلم الإجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعيّة ، وأنّه كلّما تعارضت الأصول الشرعيّة المؤمّنة في أطرافه وتساقطت حكم العقل بوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لتنجّز الاحتمال في كلّ شبهة بعد بقائها بلا مؤمّن شرعيّ وفقا لمسلك حقّ الطاعة.
وحيث إنّ تعارض الأصول يستند إلى العلم الإجمالي فيعتبر تنجّز جميع الأطراف من آثار نفس العلم الإجمالي.
والصحيح في كيفيّة تصوير منجّزيّة العلم الإجمالي أن يقال : إنّ العلم الإجمالي بنفسه يستدعي حرمة المخالفة القطعيّة ؛ لأنّ الجامع معلوم على جميع المسالك والاتّجاهات ، والعلم ينجّز معلومه بنحو معلّق على عدم صدور الإذن والترخيص ، إلا أنّ صدوره في موارد العلم الإجمالي ممّا لا يمكن إثباته ؛ لأنّه على خلاف المرتكزات العقلائيّة كما تقدّم ، هذا بالنسبة لحرمة المخالفة القطعيّة.
وأمّا بالنسبة لوجوب الموافقة القطعيّة فنقول : إنّ العلم الإجمالي ليس علّة بنفسه لذلك خلافا لما ذكره المحقّق العراقي ، بل العلم الإجمالي يستدعي وجوب الموافقة القطعيّة في حالة تعارض الأصول الترخيصيّة الجارية في تمام أطرافه وتساقطها.
فالمنجّزيّة لوجوب الموافقة القطعيّة ليست ناشئة من نفس العلم الإجمالي ؛ لأنّه ليس علّة وليس مقتضيا لها ، وإنّما لأجل تعارض الأصول وتساقطها.
فإنّه بعد تساقطها سوف يكون التكليف في كلّ طرف محتملا ، واحتمال التكليف منجّز على ما هو الصحيح من منجّزيّة كلّ انكشاف على أساس سعة دائرة حقّ الطاعة الثابتة للمولى.
نعم ، احتمال التكليف منجّز بنحو معلّق على عدم صدور الترخيص ، والمفروض هنا أنّ الترخيص غير تامّ فتكون منجّزيّته ثابتة لعدم ثبوت المانع منها.
وبهذا يمكننا أن نقول : إنّ العلم الإجمالي يستدعي الموافقة القطعيّة بنحو من المسامحة ؛ لأنّ المنجّز في الحقيقة هو ما ذكرنا ، إلا أنّ دور العلم الإجمالي هنا هو إيجاد التعارض بين الأصول الترخيصيّة ، حيث إنّ هذه الأصول تجري في كلّ طرف ؛