والمعذّريّة فإنّهما ليسا من الأحكام الشرعيّة فلا يمكن التنزيل بلحاظهما ، فضلا من سائر خصوصيّات العلم فإنّها تكوينيّة أو عقليّة.
والانحلال من اللوازم التكوينيّة للعلم بالفرد ، فلا يمكن أن يكون دليل التنزيل ناظرا إليه أيضا ؛ لأنّه ينظر إلى الآثار الشرعيّة فقط.
وبتعبير آخر : أنّ عمليّة التنزيل يشترط فيها أن يكون المنزّل ناظرا إلى الآثار التي يراد تنزيلها ، وفي مقامنا حيث إنّ المنزّل هو الشارع فيشترط أن تكون الآثار المنزّلة شرعيّة دون غيرها ؛ لأنّ الآثار العقليّة أو التكوينيّة لا تطالها يد الشارع رفعا ووضعا بما هو شارع ، ولذلك لا يعقل التنزيل الشرعي بلحاظها.
وإن كان مفاد دليل الحجّيّة اعتبار الأمارة علما على طريقة المجاز العقلي ، فمن المعلوم أنّ هذا الاعتبار لا يترتّب عليه آثار العلم الحقيقي التي منها الانحلال ، وإنّما يترتّب عليه آثار العلم الاعتباري.
وأمّا إذا كان ترتّب آثار العلم على الأمارة على أساس الورود واعتبار ما ليس بعلم علما ، كما هو الحال في المجاز العقلي السكّاكي ، فالانحلال لا يمكن إثباته بالأمارة أيضا.
وتوضيح ذلك : أنّ الادّعاء العقلي أو الورود لا يثبت إلا الآثار المطلوبة من الادّعاء المذكور ، فمثلا إذا قيل : زيد أسد ، أي أنّه فرد من أفراد الأسد على أساس أنّه مصداق للشجاع الذي يدّعي العقل أنّه من أنواع الأسد ، كان معناه أنّ الآثار المطلوبة من الأسد تترتّب على زيد ، من قبيل الشجاعة والقوّة والهيبة والعزّة.
وأمّا الآثار التكوينيّة الخاصّة بالأسد أي الحيوان المفترس من قبيل رائحة الفم الكريهة أو من قبيل أكل الحيوانات الأخرى بالافتراس ، فهذا ممّا لا يترتّب ولا يثبت حتّى بالورود ، لأنّ الادّعاء العقلي ليس مطلقا وبلحاظ تمام الآثار ، وإنّما يتحدّد بحدود الآثار التي يمكن الادّعاء فيها والتي تتحقّق فيها المشابهة والمناسبة ، ولذلك يستهجن العرف والعقل لو قيل : بأنّ زيدا أسد ، وكان المقصود من ذلك أنّ رائحة فمه كريهة.
وفي مقامنا إذا كانت الأمارة علما على نحو الادّعاء العقلي بمعنى أنّها فرد من أفراد العلم ادّعاء ، فهذا لا يعني أنّ تمام الآثار المترتّبة على العلم تترتّب على الأمارة ، فإنّ الاستقرار النفسي والاطمئنان والإذعان والاعتقاد لا توجد إلا في العلم الحقيقي