آخر. ومثاله أيضا : أن يعلم بدخول الإنسان إلى المسجد ثمّ تقوم البيّنة على دخول زيد ولكن لا يحتمل وجود ميزة في الجامع ، بمعنى أنّ هذا الفرد يصلح لأن يكون مصداقا له.
وقد يتوهّم في مثل ذلك الانحلال التعبّدي بدعوى أنّ دليل الحجّيّة يرتّب كلّ آثار العلم على الأمارة تعبّدا ، ومن جملتها الانحلال.
قد يقال هنا : إنّ الأمارة المذكورة توجب الانحلال الحقيقي تعبّدا لا وجدانا ، فكما أنّ العلم الوجداني كان يوجب الانحلال الحقيقي في الصورتين المذكورتين ، فكذلك الأمارة توجب الانحلال الحقيقي ، غايته أنّ الانحلال الحقيقي على الأوّل وجداني بينما على الثاني تعبّدي.
وهذا الانحلال الحقيقي التعبّدي يستفاد من دليل حجّيّة الأمارة ، فإنّه يرتّب كلّ آثار العلم الوجداني على الأمارة تعبّدا ، ومن جملة آثار العلم الوجداني هو الانحلال الحقيقي ، فيكون هذا الأثر مترتّبا على الأمارة أيضا.
والوجه في ذلك : إمّا دعوى تنزيل الأمارة منزلة العلم كما هي مقالة الشيخ الأنصاري ، وإمّا دعوى حكومة الأمارات ؛ لأنّ دليل حجّيّتها مفاده اعتبار الأمارة علما كما هي مقالة المحقّق النائيني ، وإمّا دعوى الورود على أساس المجاز العقلي كما هي مقالة السكّاكي في مثل هذا المورد.
ولكنّه توهّم باطل ؛ لأنّ مفاد دليل الحجّيّة إن كان هو تنزيل الأمارة منزلة العلم ، فمن الواضح أنّ التنزيل لا يمكن أن يكون ناظرا إلى الانحلال ؛ لأنّه أثر تكويني للعلم ، وليس بيد المولى توسيعه.
إلا أنّ هذا التوهّم غير صحيح ؛ لأنّ ترتّب آثار العلم على الأمارة إن كان بنحو تنزيل الأمارة منزلة العلم ـ كما هو الحال في تنزيل الطواف منزلة الصلاة ـ فهذا إنّما يتمّ فيما إذا كانت الآثار التي يراد التنزيل بلحاظها بيد المنزّل ، ففي المثال المذكور يراد ترتيب الطهارة والستر ونحوهما من الآثار الشرعيّة على المنزّل أي الطواف ، وهذا أمر ممكن ؛ لأنّ الطهارة والستر من الآثار الشرعيّة التي بيد الشرع إيجابها وعدم إيجابها.
وأمّا في مقامنا فإنّ الأمارة المنزّلة منزلة العلم إنّما تكون بلحاظ الآثار الشرعيّة للعلم أو الآثار المطلوبة شرعا من العلم. ومن الواضح هنا أنّه لا يوجد سوى المنجّزيّة