هاتين الأصالتين إلى الحكم الواقعي ، ولسانهما لا يستفاد منه التنزيل لمشكوك الحلّيّة أو الطهارة منزلة معلومهما ، فيكونان على هذا أصلين عمليّين بحتين.
ويسمّى الأصل العملي على القول الأوّل بالأصل التنزيلي بناء على هذه العناية.
وقد تترتّب على هذه التنزيليّة فوائد ، فمثلا إذا قيل بأنّ أصل الإباحة تنزيلي ترتّب عليه حين تطبيقه على الحيوان مثلا طهارة مدفوعه ظاهرا ؛ لأنّها مترتّبة على الحلّيّة الواقعيّة ، وهي ثابتة تنزيلا فكذلك حكمها ، وأمّا إذا قيل بأنّ أصل الإباحة ليس تنزيليّا ، بل إنشاء لحلّيّة مستقلّة فلا يمكن أن ننقّح بها طهارة المدفوع ، وهكذا.
وأمّا الثمرة العمليّة بين القولين فهي :
إذا قيل بأنّ أصالة الحلّيّة أصل تنزيلي بالنحو المتقدّم أي أنّها تثبت الحلّيّة الواقعيّة ظاهرا فعند ما نطبّقها على حيوان مشكوك الحلّيّة سوف نثبت الحلّيّة الواقعيّة ظاهرا ، وحينئذ سوف يتنقّح موضوع طهارة مدفوع هذا الحيوان ؛ لأنّ طهارة مدفوعه موضوعها الحيوان المحلل الأكل ، والمفروض أنّ هذا الحيوان المشكوك قد ثبتت حلّيّته الواقعيّة ظاهرا ببركة أصالة الحلّيّة ، فالموضوع متحقّق فيترتّب الحكم بطهارة مدفوع هذا الحيوان.
فلا فرق بين كون هذا الحيوان حلالا واقعا لقيام الدليل المحرز على حلّيّته ، وبين كونه حلالا ظاهرا استنادا على أصالة الحلّيّة ؛ لأنّه في كلا الحالين سوف نثبت الحلّيّة الواقعيّة إلا أنّها في الأوّل ثابتة وجدانا وفي الثاني ثابتة تعبّدا وتنزيلا ، وحينئذ يترتّب الحكم الشرعي ؛ لأنّ موضوعه محرز فيحكم بطهارة مدفوعه ؛ لأنّ الحلّيّة الواقعيّة ثابتة.
وأمّا إذا قيل بأنّ أصالة الحلّيّة أصل علمي بحث وليس فيها أي نحو من التنزيل ، فسوف يثبت بها حلّيّة ظاهريّة مجعولة بنحو الاستقلال على عنوان مشكوك الحلّيّة ، وهذه الحلّيّة الظاهريّة تختلف عن الحلّيّة الواقعيّة ، وحينئذ لا يتنقّح موضوع طهارة المدفوع ؛ لأنّ موضوعها هو الطهارة الواقعيّة وهي ليست ثابتة لا وجدانا ، ولا تعبّدا وتنزيلا.
وهكذا الحال بالنسبة لأصالة الطهارة.