فهذه الأصول تسمّى بالأصول التنزيليّة أو المحرزة ؛ لأنّه يوجد فيها عناية إضافية وهي النظر إلى الأحكام الواقعيّة.
وهذه العناية يمكن تصويرها بأحد وجهين :
أحدهما : أن يجعل الحكم الظاهري بلسان تنزيله منزلة الحكم الواقعي ، كما قد يقال في أصالة الحلّ وأصالة الطهارة ، إذ يستظهر أن قوله عليهالسلام : « كلّ شيء لك حلال » أو « كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم ... » يتكفّل تنزيل مشكوك الحليّة ومشكوك الطهارة منزلة الحلال الواقعي ومنزلة الطاهر الواقعي ، خلافا لمن يقول : إنّ دليل هذين الأصلين ليس ناظرا إلى الواقع ، بل ينشئ بنفسه حليّة أو طهارة بصورة مستقلّة ، ويسمّى الأصل في حالة بذل هذه العناية التنزيليّة بالأصل التنزيلي.
الوجه الأوّل : أنّ هذه العناية هي تنزيل المؤدّى منزلة الواقع ، فينزّل الحكم الظاهري منزلة الحكم الواقعي ، فالوجوب الظاهري كالوجوب الواقعي ، وكذا الطهارة الظاهريّة كالطهارة الواقعيّة.
وتوضيحه : أنّ دليل أصالة الطهارة أو أصالة الحلّيّة أي « كلّ شيء لك طاهر حتّى تعلم أنّه قذر » و « كلّ شيء لك حلال حتّى تعلم أنّه حرام » مفاده تنزيل مشكوك الحلّيّة والطهارة منزلة معلومهما.
فمشكوك الطهارة محكوم ظاهرا بالطهارة أي نفس الطهارة الواقعيّة وليست طهارة أخرى مستقلّة في نفسها ، وهذا المعنى يستظهر من دليلهما بناء على كون الجملة إخباريّة عن كون كلّ شيء طاهرا بما في ذلك المشكوك ، فيكون مفادها أنّ معلوم الطهارة ومظنونها ومشكوكها ومحتملها على حدّ سواء ، ولا يخرج إلا ما كان معلوم القذارة والنجاسة فقط ، فيكون المشكوك كالمعلوم محكوم ظاهرا بالطهارة الواقعيّة ، كما أنّ معلوم الطهارة محكوم واقعا بالطهارة الواقعيّة ، فصار الظاهر كالواقع من حيث كونهما معا طاهرين واقعا.
وأمّا إذا قلنا : إنّ دليل أصالة الطهارة أو الحلّيّة مفاده الإنشاء لا الإخبار فهذا يعني أنّ هذا الدليل يجعل وينشئ طهارة ظاهريّة مستقلّة على مشكوك الطهارة ، وكذلك يجعل وينشئ حلّيّة ظاهريّة مستقلّة على مشكوك الحلّيّة ، وهذا يعني أنّه لا نظر في