لأنّه ينافي علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ، فلا بدّ من افتراض نكتة في الرتبة السابقة تعطّل العلم الإجمالي عن التنجيز ليتاح للأصل المؤمّن أن يجري.
ومن هنا صاغ المحقّق المذكور الركن الثالث صياغة أخرى ، وحاصلها :
وأمّا على مسلك العلّيّة الذي ذهب إليه المحقّق العراقي ، فلا تكون هذه الصياغة صحيحة ؛ وذلك لأنّه على هذا المسلك يكون العلم الإجمالي بنفسه علّة لوجوب الموافقة القطعيّة.
ومعنى العلّيّة أنّه إذا ثبتت العلّة ثبت المعلول ولا يمكن أن يتخلّف عنها.
ولذلك يكون كلّ من الطرفين منجّزا في نفسه ؛ لأنّه مصداق لوجوب الموافقة القطعيّة المعلولة للعلم الإجمالي ، ولا فرق في منجّزيّة كلّ الطرف بين أن يكون الطرف الآخر مشمولا للأصل الترخيصي أو للأصل المنجّز ؛ لأنّ التعارض بين الأصلين الترخيصيّين ليس هو السبب في وجوب الموافقة القطعيّة ، بل هي واجبة وثابتة سواء كان هناك تعارض أم لا ، ولذلك يكون جريان الأصل الترخيصي في أحد الطرفين دون الآخر ـ على مسلك العلّيّة ـ مخالفا لعلّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ؛ لأنّه يفكّك بين العلّة ومعلولها وهو محال.
وحينئذ نقول : إنّه إذا ثبت الأصل الترخيصي في مورد من دون معارض بأن كان الطرف الآخر مشمولا لأصل منجّز ، فلا بدّ من إسقاط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة وتعطيله على أساس وجود نكتة تقتضي إبطال علّيّته في مثل هذا الفرض ، لا أنّنا نبقي العلم الإجمالي على حاله وتنجيزه ونقول : إنّه لا تجب الموافقة القطعيّة ، إذ لازمه التفكيك بين العلّة ومعلولها وهو محال.
وعلى هذا الأساس لا بدّ من صياغة الركن الثالث صياغة جديدة تبرز مثل هذه النكتة التي من شأنها تعطيل العلم الإجمالي وإسقاطه ، وحاصل هذه الصياغة أن يقال :
أنّ تنجيز العلم الإجمالي يتوقّف على صلاحيّته لتنجيز معلومه على جميع تقاديره ، فإذا لم يكن صالحا لذلك فلا يكون منجّزا ، وعلى هذا فكلّما كان المعلوم الإجمالي على أحد التقديرين غير صالح للتنجّز بالعلم الإجمالي لم يكن العلم