أمّا الصورة الأولى : فالعلم الإجمالي فيها يسقط عن المنجّزيّة لزوال الركن الأوّل ، حيث لا يوجد علم إجمالي بجامع التكليف.
والسبب في ذلك أنّ نجاسة الطعام المعلومة إجمالا جزء الموضوع للحرمة والجزء الآخر عدم الاضطرار ، وحيث إنّ المكلّف يحتمل أنّ النجس المعلوم هو الطعام المضطرّ إليه بالذات فلا علم له بالتكليف الفعلي ، فتجري البراءة عن حرمة الطعام غير المضطرّ إليه وغيرها من الأصول المؤمّنة بدون معارض ؛ لأنّ حرمة الطعام المضطرّ إليه غير محتملة ليحتاج إلى الأصل بشأنها ، ولكن هذا على شرط ألاّ يكون الاضطرار متأخّرا عن العلم الإجمالي.
أمّا الصورة الأولى : وهي فيما إذا كان الاضطرار إلى أحد الإناءين بعينه فهذه على ثلاثة أنحاء :
النحو الأوّل : أن يكون الاضطرار إلى أحد الإناءين ثابتا قبل العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ، وذلك بأن كان مضطرّا للشرب من أحد الإناءين ، ثمّ بعد ذلك علم إجمالا بنجاسة أحدهما ، فهنا يسقط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة ؛ وذلك لاختلال الركن الأوّل من أركانه وهو العلم بجامع التكليف ؛ لأنّه قبل العلم بنجاسة أحدهما كان أحد الإناءين مباحا للشرب بسبب طروّ الاضطرار الرافع للحرمة ، فهو جائز الشرب إمّا لأنّه طاهر واقعا وإمّا لأنّه مضطرّ إليه ، ولذلك فلا يوجد تكليف فيه حتّى على تقدير كونه هو المعلوم بالإجمال.
وهذا يعني أنّ العلم بنجاسة أحد الإناءين دائر بين طرفين أحدهما لا تكليف فيه على تقدير كونه المعلوم بالإجمال ، والآخر فيه تكليف على تقدير كونه المعلوم بالإجمال. فهو علم بالتكليف على أحد التقديرين لا على كلا التقديرين.
وقد قلنا فيما سبق : إنّ العلم الإجمالي إنّما يكون منجّزا لمعلوم فيما إذا كان منجّزا له على جميع التقادير لا على بعض التقادير ؛ لأنّه في هذه الحالة سوف لا يكون هذا البعض معلوما ، وبالتالي تجري البراءة ونحوها من الأصول الترخيصيّة لصيرورة المورد من الشبهة البدويّة.
ومرجع ذلك إلى أنّ النجاسة المعلومة إجمالا جزء الموضوع لحرمة الشرب وليست تمام الموضوع ؛ لأنّ الحرمة مقيّدة من أوّل الأمر بعدم الاضطرار إليها ،