وحيث إنّ العلم الإجمالي نشأ متأخّرا عن الاضطرار ، فالعلم بجامع التكليف وإن كان ثابتا التفاتا إلى أنّ المعلوم بالإجمال موجود قبل الاضطرار إلا أنّه لا يكفي للمنجّزيّة ؛ لأنّ الركن الثالث وهو جريان الأصول الترخيصيّة في كلا الطرفين غير موجود ؛ لأنّ الإناء المضطرّ إليه فعلا لا تجري فيه الأصول الترخيصيّة ؛ لأنّه مباح الشرب واقعا بسبب الاضطرار.
فعلى تقدير انطباق المعلوم بالإجمال على الإناء المضطرّ إليه فلا حرمة فعلا ؛ لأنّها قد انتهت بالأمد المحدّد لها واقعا وهو حدوث الاضطرار في موردها ، فالحرمة مرتفعة عنه واقعا لارتفاع موضوعها ولا معنى لجريان البراءة ونحوها من الأصول الترخيصيّة فيه ، إذ لا أثر لها ولارتفاع الشكّ فلا موضوع لها أيضا ، وأمّا الإناء الآخر فموضوع الأصول الترخيصيّة فيه ثابت فتجري فيه بلا معارض ، وبالتالي ينحلّ العلم الإجمالي.
وبتعبير آخر : إنّ هذا النحو بلحاظ حدوث العلم الإجمالي يكون العلم بالجامع مختلاّ ؛ لأنّ العلم متأخّر عن الاضطرار كما هو في النحو الأوّل ، وبلحاظ المعلوم بالإجمال يكون العلم بالجامع ثابتا ؛ لأنّ المعلوم بالإجمال وهو النجاسة متقدّم على الاضطرار كما هو في النحو الثاني.
ولذلك فمن ذهب إلى التنجيز التفت إلى ثبوت العلم بالجامع ، ومن ذهب إلى عدم التنجيز التفت إلى عدم العلم بالجامع ، إلا أنّ الصحيح أنّ العلم بالجامع وإن كان ثابتا لكنّه لا يفيد ؛ لأنّه إنّما كان ثابتا في فترة لا يوجد علم إجمالي فيها فلم يكن الجامع منجّزا من أوّل الأمر ، وفي الفترة التي وجد فيها العلم الإجمالي كان العلم بالجامع مفقودا بسبب حدوث الاضطرار قبل العلم ، والذي يمنع من جريان الأصول الترخيصيّة في الإناء المضطرّ إليه والذي ينبغي وجود التكليف فعلا في الإناء المضطرّ إليه.
ويطّرد ما ذكرناه في غير الاضطرار أيضا من مسقطات التكليف ، كتلف بعض الأطراف أو تطهيرها ، كما إذا علم إجمالا بنجاسة أحد إناءين ثمّ تلف أحدهما أو غسّل بالماء ، فإنّ العلم الإجمالي لا يسقط عن المنجّزيّة بطروّ المسقطات المذكورة بعده ، ويسقط عن المنجّزيّة بطروّها مقارنة للعلم الإجمالي أو قبله.
وهذا الكلام يجري أيضا في غير الاضطرار من مسقطات التكليف ، فإذا تلف