ذلك بدعوى أنّ الترخيص في ارتكاب أحدهما بلحاظ الاضطرار يوجب الترخيص التخييري ، أي أنّ المكلّف مخيّر بارتكاب أحدهما وهذا يتنافى مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما ؛ لأنّ منجّزيّة العلم الإجمالي تقتضي المنع عن الطرفين بينما الاضطرار إلى أحدهما لا بعينه يقتضي تجويز ارتكاب أي الطرفين أراد.
وتوضيح هذا البرهان أن يقال :
أوّلا : أنّ العلم الإجمالي بالتكليف علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة.
ثانيا : أنّ المعلول هنا ساقط.
ثالثا : يستحيل سقوط المعلول بدون سقوط العلّة.
فينتج : أنّه لا بدّ من الالتزام بسقوط العلم الإجمالي بالتكليف ، وذلك بارتفاع التكليف ، فلا تكليف مع الاضطرار المفروض ، وبعد ارتفاعه وإن كان التكليف محتملا في الطرف الآخر ولكنّه حينئذ احتمال بدويّ مؤمّن عنه بالأصل.
وهذا البرهان يتكوّن من ثلاث مقدّمات ونتيجة :
المقدّمة الأولى : أنّ العلم الإجمالي علّة تامّة لوجوب الموافقة القطعيّة كالعلم التفصيلي ؛ لأنّ العقل يحكم بلزوم الإطاعة وحرمة المخالفة ، فلا بدّ من الاجتناب عن كلا الإناءين عند العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما.
المقدّمة الثانية : أنّ وجوب الموافقة القطعيّة ساقطة في المقام بسبب طروّ الاضطرار إلى أحدهما غير المعيّن المجوّز لارتكاب أحد الإناءين ، وهذا معناه رفع اليد عن الموافقة القطعيّة.
المقدّمة الثالثة : أنّ سقوط الموافقة القطعيّة يعني سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة ؛ لأنّها معلولة له ، وإذا سقط المعلول فيكشف ذلك عن سقوط علّته ؛ إذ يستحيل ثبوت المعلول من دون العلّة ، فسقوطه يكشف عن سقوطها.
والنتيجة : أنّ العلم الإجمالي ساقط عن المنجّزيّة في مورد الاضطرار ، فلا تكليف معلوم في أحدهما بسبب الاضطرار إليه ، ولا تكليف في الآخر بعد ارتكاب الأوّل ؛ لأنّ التكليف فيه مشكوك ، وحيث لا منجّز لهذا الشكّ بسبب ارتفاع العلم الإجمالي وسقوطه ، فيكون شكّا بدويّا في التكليف وهو مجرى للأصول الترخيصيّة المؤمّنة عن احتمال التكليف في الطرف الآخر.