والجواب عن ذلك :
أوّلا بمنع علّيّة العلم الإجمالي بالتكليف لوجوب الموافقة القطعيّة.
والجواب عن هذا الاستدلال :
أوّلا : أن ننكر كون العلم الإجمالي علّة لوجوب الموافقة القطعيّة ، كما تقدّم سابقا ، حيث قلنا هناك : إنّ العلم الإجمالي يسبّب تعارض الأصول الترخيصيّة في الأطراف ، وحينئذ يكون احتمال التكليف في كلّ طرف منجّزا بناء على مسلك حقّ الطاعة ، أو يقال باقتضاء العلم الإجمالي للمنجّزيّة وهذا يتوقّف على عدم المانع ، فمع وجود المانع لا يؤثّر العلم الإجمالي في المنجزيّة.
وثانيا بأنّ ارتفاع وجوب الموافقة القطعيّة الناشئ من العجز والاضطرار لا ينافي العلّيّة المذكورة ؛ لأنّ المقصود منها عدم إمكان جعل الشكّ مؤمّنا ؛ لأنّ الوصول بالعلم تامّ ، ولا ينافي ذلك وجود مؤمّن آخر وهو العجز كما هو المفروض في حالة الاضطرار.
وثانيا : أنّنا لو سلّمنا بعلّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة فمع ذلك نقول : إنّ معنى العلّيّة هي كون وصول التكليف بالعلم تامّا ، فكما أنّ وصول التكليف بالعلم التفصيلي يحقّق تمام الموضوع لحكم العقل بوجوب الامتثال والإطاعة وحرمة المخالفة والعصيان ، فكذلك العلم الإجمالي يعتبر وصول التكليف بهذا المقدار محقّقا لموضوع حكم العقل المذكور ، والشكّ المفترض وجوده في الأطراف لا يكون مؤمّنا عن التكليف في هذه الحالة ، فمعنى العلّيّة إذا أنّ الشكّ الموجود ليس مؤمّنا عن التكليف.
وهذا المعنى لا يتنافى مع ثبوت التأمين عن التكليف لجهة أخرى ، كالعجز وعدم القدرة ، أو كالاضطرار كما هو مقامنا ، فإن انتفاء التكليف في الطرف المضطرّ إليه لا يتنافى مع علّيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة ، بل على القول بالعلّيّة فعليّته متحقّقة ، إلا أنّ سقوط وجوب الموافقة القطعيّة كان لجهة أخرى مانعة منها وهي الاضطرار ؛ نظير علّيّة النار للاحتراق ، فإنّ عدم الاحتراق بسبب وجود المانع منه لا يعني رفع اليد عن العلّيّة للنار.
وبتعبير آخر : إنّ العقلاء لا يرون المأمور مطالبا بالامتثال لتكليف لا يقدر عليه أو