يضطرّ إلى فعله أو تركه ، بل لا يرون للمولى حقّا في ذلك ، والشارع أيضا لا يطالب بحقّ في موارد عدم القدرة والاضطرار حتّى في العلم التفصيلي فضلا عن العلم الإجمالي.
وهذا يعني أنّ المكلّف مضطرّ إلى ترك الموافقة القطعيّة وغير قادر على امتثالها ، لا أنّ العلم الإجمالي ليس علّة أو سقط عن العلّيّة بلحاظها.
وبهذا ظهر أنّه يمكن رفع اليد عن المعلول وسقوطه حتّى مع بقاء علّته ، ولا تنافي في ذلك ، إذ ليس بابه باب التفكيك بين العلّة ومعلولها ، بل بابه باب إيجاد المانع من تحقّق المعلول مع ثبوت علّته.
وهذا ما يسمّى بالتوسّط في التنجيز أي أنّه ترتفع مرتبة من الامتثال ، وهي المرتبة العليا وتبقى سائر المراتب.
وثالثا : لو سلّمنا فقرات البرهان الثلاث فهي إنّما تنتج لزوم التصرّف في التكليف المعلوم على نحو لا يكون الترخيص في تناول أحد الطعامين لدفع الاضطرار إذنا في ترك الموافقة القطعيّة له ، وذلك يحصل برفع اليد عن إطلاق التكليف لحالة واحدة وهي حالة تناول الطعام المحرّم وحده من قبل المكلّف المضطرّ مع ثبوته في حالة تناول كلا الطعامين معا ، فمع هذا الافتراض إذا تناول المكلّف المضطرّ العالم إجمالا أحد الطعامين فقط لم يكن قد ارتكب مخالفة احتماليّة على الإطلاق ، وإذا تناول كلا الطعامين فقد ارتكب مخالفة قطعيّة للتكليف المعلوم فلا يجوز.
وثالثا : أنّنا لو سلّمنا بفقرات الاستدلال فلا ينتج سقوط العلم الإجمالي عن المنجّزيّة رأسا كما أفاده المحقّق الخراساني ؛ ليلزم عن ذلك جواز المخالفة القطعيّة ، بل ينتج شيئا آخر وهو أنّ التكليف المعلوم بالإجمال وهو نجاسة أحد الطعامين لا بدّ من التصرّف فيه بنحو يتناسب مع جواز ارتكاب أحدهما بسبب الاضطرار.
فلا نرفع اليد عن العلم الإجمالي رأسا ونقول : إنّه لا تكليف ، ولا نأخذ بدليل الاضطرار ونقول : إنّه يجوز ارتكاب كلا الإناءين ، بل نجمع بين الأمرين بنحو يتناسب مع ارتكاب أحد الطرفين بسبب الاضطرار ويتناسب مع بقاء العلم الإجمالي على منجّزيّته ؛ لحرمة المخالفة القطعيّة وعدم جواز تركها ، بل مع بقائه أيضا لوجوب