المتأخّر ، إنّما يكون بسبب بقاء ذلك العلم السابق إلى ذلك الحين ، لا بمجرّد حدوثه ، وهذا يعني أنّ تنجّز الطرف المشترك فعلا له سببان :
أحدهما : بقاء العلم السابق.
والآخر : حدوث العلم المتأخّر ، واختصاص أحد السببين بالتأثير دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فينجّزان معا ، وبذلك يبطل التقريب الثاني.
والصحيح عدم سقوط منجّزيّة العلم الإجمالي ؛ لعدم اختلال الركن الثالث بصيغتيه.
وتوضيح ذلك : أنّ العلم الإجمالي إذا توفّرت فيه الأركان الأربعة كان منجّزا للطرفين ، وكان موجبا لتعارض الأصول الترخيصيّة الجارية في الطرفين أيضا ، إلا أنّ منجّزيّته لهما وإيجابه لتعارض الأصول فيهما ليست بمعنى أنّه بمجرّد أن يحدث علم إجمالي فيكون منجّزا للطرفين على امتداد الزمان ولو زال بقاء ، فإنّ هذا واضح البطلان ، وإنّما منجّزيّته فرع أن يكون موجودا فعلا في كلّ زمان وفي كلّ آن.
وبتعبير آخر : إنّ منجّزيّة العلم الإجمالي ليست مطلقة ؛ ليقال : إنّه بمجرّد أن يحدث فهو منجّز ولو لم يكن موجودا بقاء ، بل منجّزيّة العلم الإجمالي مشروطة ومقيّدة بوجوده الفعلي في كلّ آن من آنات الزمان.
وعلى هذا نقول : إنّ منجّزيّة العلم الإجمالي بناء على صياغة المحقّق العراقي فرع كونه منجّزا لمعلومه على كلّ تقدير ، وهذا الركن موجود في مقامنا ؛ وذلك لأنّ العلم الإجمالي الأوّل الدائر بين الإناءين الأبيض والأسود ، إنّما يوجد التنجيز لو كان هذا العلم في كلّ آن صالحا لتنجيز معلومه على كلّ تقدير ، وهذا فرع وجوده الفعلي في كلّ آن ولا يكفي حدوثه سابقا فقط.
وعليه ، ففي الآن الذي يحدث فيه العلم الإجمالي الثاني الدائر بين الإناءين الأسود والأحمر يكون كلّ منهما صالحا لتنجيز الإناء المختصّ بلا إشكال ، وكذلك يكونان صالحين لتنجيز الإناء المشترك أي الأسود ؛ لأنّه في هذا الآن من الزمان لم يكن منجّزا بمنجّز آخر غير هذين العلمين ، وإنّما يتنجّز في هذا الآن فعلا بسبب وجود هذين العلمين ؛ لأنّهما بلحاظ هذا الآن ليس أحدهما أسبق عن الآخر ، وإنّما هما موجودان معا.