ولذلك لا يمكن القول بأنّ الإناء المشترك في هذا الآن منجّز بالعلم الإجمالي السابق دون المتأخّر ؛ لأنّه ترجيح بلا مرجّح ، وكذلك العكس ، ولا يمكن القول بأنّه لا منجّز له في هذا الآن ؛ لأنّه خلف العلم الإجمالي ، فلا بدّ من القول بأنّه منجّز بهما معا ، وهذا يعني أنّه في هذا الآن من الزمان يكون اجتمع على الطرف المشترك منجّزان فعليّان في عرض واحد ، فيؤخذ بمنجّزيّتهما معا.
وبتعبير آخر : إنّه بلحاظ الآن الذي حدث فيه العلم المتأخّر كان العلم الإجمالي السابق موجودا أيضا ، فهما موجودان معا في عرض واحد وليس أحدهما متقدّما والآخر متأخّرا ، فيتنجّز الطرف المشترك بهما معا.
وأمّا مجرّد كون العلم الأوّل موجودا في السابق فهذا لا يكفي لكونه أسبق من العلم المتأخّر ؛ لأنّ الأسبقيّة لا بدّ أن تلحظ بنفس الزمان ؛ ولأنّ العلم الإجمالي لا يكفي فيه الحدوث كما قلنا بل لا بدّ من وجوده الفعلي ، فإذا لاحظنا الوجود الفعلي للعلم الإجمالي في عمود الزمان وجدنا أنّه بلحاظ هذا الآن الزماني يوجد فيه فعلا علمان إجماليّان وهما في عرض واحد ، فلا ترجيح لأحدهما على الآخر في التنجيز ليؤخذ به دون الآخر ، وبهذا يبطل التقريب الثاني.
كما أنّ الأصل المؤمّن في الطرف المشترك يقتضي الجريان في كلّ آن ، وهذا الاقتضاء يؤثّر مع عدم التعارض ، ومن الواضح أنّ جريان الأصل المؤمّن في الطرف المشترك في الفترة الزمنيّة السابقة على حدوث العلم الإجمالي المتأخّر كان معارضا بأصل واحد ـ وهو الأصل في الطرف المختصّ بالعلم السابق ـ غير أنّ جريانه في الفترة الزمنيّة اللاحقة يوجد له معارضان وهما الأصلان الجاريان في الطرفين المختصّين معا ، وبذلك يبطل التقريب الأوّل ، فالعلمان الإجماليّان منجّزان معا.
وأمّا التقريب المشهور لصياغة الركن الثالث فكان جريان الأصول الترخيصيّة في كلا الطرفين ، وهذا محفوظ في مقامنا ؛ وذلك لأنّه يراد بجريان الأصول الترخيصيّة أن تكون جارية فعلا في كلّ آن من آنات الزمان على امتدادها ، ولا يكفي أن تكون جارية في الآن السابق لبقاء المنجّزيّة مع زوال جريانها في الآن اللاحق.
وهذا يعني أنّ جريان الأصول وتعارضها لا بدّ أن يكون بلحاظ كلّ زمان بالفعل.
وحينئذ نقول : إنّه في الزمان السابق على العلم الإجمالي الثاني لم يكن لدينا إلا