فهنا وإن لم يكن المكلّف قادرا على ارتكاب جميع الأطراف لكثرتها ، إلا أنّ جريان الأصول الترخيصيّة في كلّ الأطراف يؤدّي إلى القطع بصدور الترخيص في أطراف الشبهة جميعا ، وهذا محال صدوره ؛ لأنّه لا يجتمع مع العلم الإجمالي بالتكليف ضمن هذه الأطراف ، فلا يمكن القطع بالترخيص ؛ لأنّه قطع باجتماع النقيضين ، والقطع باجتماع المتناقضين كاجتماعهما مستحيل ، والقطع بالمستحيل محال.
ومن هنا قد يقال : إنّ الثمرة العمليّة بين الصياغتين تظهر في هذا التقريب الثاني.
فعلى صياغة المشهور يكون هذا التقريب تامّا ؛ لأنّ العلم الإجمالي ساقط عن المنجّزيّة لانهدام ركنه الرابع.
وعلى صياغة السيّد الخوئي يكون هذا التقريب غير تامّ ؛ لأنّ العلم الإجمالي باق على منجّزيّته ؛ إذ الركن الرابع غير منهدم هنا.
غير أنّ السيّد الأستاذ (١) حاول أن ينقض على من يستدلّ بهذا التقريب ، وحاصل النقض : أنّ الاحتياط إذا كان غير واجب في الشبهة غير المحصورة من أجل عدم قدرة المكلّف على المخالفة القطعيّة يلزم عدم وجوب الاحتياط في كلّ حالة تتعذّر فيها المخالفة القطعيّة ولو كان العلم الإجمالي ذا طرفين أو أطراف قليلة ، حيث تجري الأصول جميعا ولا يلزم منها الترخيص عمليّا في المخالفة القطعيّة.
ومثاله : أن يعلم إجمالا بحرمة المكث في آن معيّن في أحد مكانين ، مع أنّ القائلين بعدم وجوب الاحتياط في الشبهة غير المحصورة لا يقولون بذلك في نظائر هذا المثال.
ثمّ إنّ السيّد الخوئي رحمهالله قد نقض على هذا التقريب على فرض التسليم بصياغة المشهور.
وحاصل النقض : أنّنا لو سلّمنا بأنّ الركن الرابع هو أن يكون جريان الأصول الترخيصيّة في تمام الأطراف مؤدّيا إلى إمكان المخالفة القطعيّة ووقوعها من المكلّف في الخارج ، فهذا الركن كما ينهدم في موارد الشبهة غير المحصورة من أجل عدم قدرة المكلّف على ارتكاب جميع الأطراف ؛ لأنّها بالغة من الكثرة حدّا لا يمكن معه
__________________
(١) مصباح الأصول ٢ : ٣٧٤.