الأحكام الظاهريّة (١) ـ فاحتمال الحجّة على الواقع المشكوك يعني احتمال تكليف واقعي متعلّق لاهتمام المولى الشديد وعدم رضائه بتفويته ، ولنسمّ هذا بالاحتمال المركّب.
وعليه فالبراءة عن الاحتمال البسيط لا تكفي ، بل لا بدّ من التأمين من ناحية الاحتمال المركّب أيضا ببراءة ثانية.
قد يجاب على ذلك : قال بأنّنا في المثال المذكور أي عند ما نشكّ في قيام الحجّيّة الشرعيّة سواء بنحو الشبهة الموضوعيّة أم بنحو الشبهة الحكميّة ، نحتاج إلى إجراء براءتين ، ولا تكفي البراءة الواحدة.
وتوضيح ذلك : أنّه في المثال يوجد احتمالان يصلحان للتنجيز ، فلا بدّ من إجراء البراءة في كلّ منهما لتحقّق موضوعها فيهما :
الأوّل : احتمال التكليف الواقعي ، فإنّ هذه الواقعة المشكوكة يحتمل وجود حكم إلزامي منجّز فيها ، وهذا يسمّى بالاحتمال البسيط.
الثاني : احتمال التكليف الظاهري ، فإنّه يشكّ في قيام الحجّة الشرعيّة في هذه الواقعة المشكوكة ، وهذا يعني أنّه يحتمل صدور ما يكون منجّزا ظاهرا لهذه الواقعة ، بناء على ما تقدّم في تفسير حقيقة الحكم الظاهري من أنّه يجعل من أجل الحفاظ على ما هو الأهمّ بنظر الشارع من الملاكات والأحكام الواقعيّة ، وهذا معناه أنّه مع احتمال وجود مثل هذه الحجّة الظاهريّة فيحتمل وجود المنجّز للملاك الواقعي ، فيكون هذا الاحتمال مساويا لاحتمال التكليف أيضا ، إذ لا فرق بين المنجّزيّة الواقعيّة والظاهريّة من حيث دخول التكليف في العهدة والذمّة ، وهذا الاحتمال يسمّى بالاحتمال المركّب.
وحينئذ نقول : إنّ جريان البراءة في الاحتمال البسيط يكفي للتأمين عن احتمال التكليف الواقعي الذي يحتمل كونه منجّزا ، ولكنّها لا تكفي لإثبات التأمين عن احتمال التكليف والمنجّز الظاهري الذي يحتمل قيام الحجّة الشرعيّة عليه ، ولذلك نحتاج إلى إجراء براءة ثانية لنفي هذا الاحتمال المركّب.
وقد يعترض على ذلك : بأنّ الأحكام الظاهريّة كما تقدّم في الجزء
__________________
(١) في مباحث التمهيد من الجزء الأوّل للحلقة الثالثة ، تحت عنوان : الحكم الواقعي والظاهري.