لنفي الحكم الواقعي المشكوك كان معناه أنّه يستحيل ثبوت الحجّيّة المشكوكة ؛ لأنّه على فرض ثبوتها سوف يثبت حكمان ظاهريّان عرضيّان على شيء واحد ، وهو مستحيل بمقتضى الأمر الثاني وتنافيهما ـ كما قلنا ـ ثبوتي أي بلحاظ مرحلة الواقع والتشريع سواء وصلا إلى المكلّف أم لا.
رابعا : أنّ مقتضى المنافاة أنّها تستلزم عدم الحجّيّة واقعا ونفيها.
الأمر الرابع : أنّ المنافاة بين البراءة الأولى والحجّيّة المشكوكة تستلزم أنّه إذا جرت البراءة عن الحكم الواقعي المشكوك كان من المستحيل ثبوت الحجّيّة المشكوكة واقعا ، أي أنّ ثبوت البراءة يقتضي نفي الحجّيّة المشكوكة واقعا ؛ للاستحالة المتقدّمة في الأمر الثاني والثالث.
خامسا : أنّ الدليل الدالّ على البراءة عن التكليف الواقعي يدلّ بالالتزام على نفي الحجّيّة المشكوكة.
الأمر الخامس : أنّ الدليل الذي يدلّ على البراءة كحديث الرفع مثلا أو الآيات الكريمة له مدلولان :
أحدهما : المدلول المطابقي وهو البراءة والتأمين والذي معناه أنّ ملاكات الترخيص هي الأهمّ واقعا.
والثاني : المدلول الالتزامي وهو أنّ ملاكات الإلزام ليست هي الأهمّ بنظر الشارع في هذه الواقعة ، والذي معناه أنّ الشارع لم يصدر منه ما ينجّز الواقع ، فتكون الحجّيّة المشكوكة منفية بالمدلول الالتزامي لدليل البراءة.
وهذا يعني : أنّنا بإجراء البراءة عن التكليف الواقعي سنثبت بالدليل نفي الحجّيّة المشكوكة ، فلا حاجة إلى أصل البراءة عنها وإن كان لا محذور فيه أيضا.
والنتيجة على ضوء ما تقدّم هي : أنّنا إذا أجرينا البراءة الأولى عن التكليف الواقعي المشكوك فسوف يثبت أوّلا التأمين ، والذي يعني أنّ ملاكات الترخيص هي الأهمّ بنظر الشارع واقعا.
وسوف يثبت ثانيا أنّ الحجّيّة المشكوكة منتفية على أساس أنّ دليل البراءة يدلّ بالالتزام على أنّ ملاكات الإلزام ليست مهمّة بنظر الشارع ؛ ولأنّها تنافي ثبوت البراءة واقعا ؛ لأنّهما حكمان ظاهريّان عرضيّان ، وحينئذ لا نحتاج إلى إجراء براءة ثانية عند