الشكّ في الحجّيّة المشكوكة ؛ إذ لا موضوع لهذه البراءة أصلا ؛ لأنّ هذه الحجّيّة قد انتفت مسبقا ، فلا معنى للشكّ فيها مجدّدا ، فيكون إجراء براءة ثانية للتأمين عن شيء غير ثابت أصلا.
ولذلك لا معنى ولا فائدة من البراءة الثانية لمحذور اللغويّة وانتفاء الموضوع.
وما ذكره السيّد الشهيد من أنّه لا محذور في إجرائها لكن لا حاجة لذلك فيه مسامحة واضحة.
ويمكن تصوير وقوع الأحكام الظاهريّة موردا للأصول العمليّة في الاستصحاب ، إذ قد يجري استصحاب الحكم الظاهري لتماميّة أركان الاستصحاب فيه وعدم تماميّتها في الحكم الواقعي ، كما إذا علم بالحجّيّة وشكّ في نسخها فإنّ المستصحب هنا نفس الحجّيّة لا الحكم الواقعي.
بعد أن عرفنا أنّ البراءة الثانية لا تجري عند الشكّ في قيام الحجّة لعدم إمكانيّة تصوير معقول لها ، إلا أنّه يمكن إجراء الاستصحاب في الأحكام الظاهريّة فيما إذا كانت أركانه تامّة فيها.
فمثلا إذا علم بقيام الحجّة الظاهريّة على الحكم الواقعي المشكوك ثمّ شككنا في نسخها ، فهنا يمكننا إجراء الاستصحاب في الحكم الظاهري دون الواقعي.
وتوضيحه : أنّ الحكم الواقعي مشكوك ابتداء فلا يجري فيه الاستصحاب ؛ لعدم تماميّة أركانه فيه ، بناء على القول بأنّ الاستصحاب لا يجري عند الشكّ في الشبهة الحكميّة.
وأمّا الحكم الظاهري فأركان الاستصحاب فيه تامّة ؛ لأنّه متيقّن سابقا ومشكوك لاحقا مع وحدة القضيّة فيهما ووجود الأثر العملي التنجيزي لهذا الاستصحاب ، فيجري استصحاب بقاء الحجّيّة عند الشكّ في نسخها (١).
__________________
(١) طبعا النسخ معناه انتهاء سعة المجعول بلحاظ عمود الزمان ؛ لأنّ النسخ بمعناه الحقيقي محال على المولى ؛ لأنّه يلزم منه الجهل تعالى الله عن ذلك.
فإذا علمنا أنّ الشارع جعل الحجّيّة لأمارة ما ثمّ شككنا في نسخ هذه الحجّيّة وعدمه فيجري استصحاب بقاء حجّيّتها ، ومن الواضح أنّ الحجّيّة حكم ظاهري إلا أنّ أركان الاستصحاب تامّة بلحاظها ، وأمّا بالنسبة للحكم الواقعي فهو مشكوك ابتداء ولا يقين سابق فلا يجري استصحابه.