الطاعة سعة وضيقا في مرحلة سابقة ، فإن قيل بسعتها وشمولها للتكاليف المشكوكة أيضا كان مقتضي التحرّك موجودا ، وبالتالي يحكم العقل باستحقاق العقاب على ترك التحرّك ، وإن قيل بضيقها واختصاصها بالتكاليف المعلومة فمقتضى التحرّك عند الشكّ وعدم العلم غير موجود فلا استحقاق للعقاب.
وهكذا يتّضح أنّ مصبّ البحث إنّما هو في تحديد دائرة حقّ الطاعة سعة وضيقا ، لنرى أنّ مقتضي التحرّك موجود أم لا.
وأما الاستدلال على البراءة بأنّ مقتضي التحرّك غير موجود في التكاليف المشكوكة من دون البحث عن دائرة حقّ الطاعة أوّلا فهو مصادرة على المطلوب ؛ لأنّ المطلوب وهو إثبات البراءة بعدم التحرّك مترتّب على ثبوت ضيق دائرة حقّ الطاعة والتي لم يسلّم بضيقها بعد.
الثاني : الاستشهاد بالأعراف العقلائيّة ، وقد تقدّم (١) أيضا الجواب بالتمييز بين المولويّة المجعولة والمولوية الحقيقية.
الدليل الثاني : الاستدلال على البراءة وكونها الحكم الأوّلي عند الشكّ في التكليف بما هو متعارف عند العقلاء ، فإنّ سيرة العقلاء انعقدت على أنّ كلّ آمر يتعامل مع مأموريه وفق الطرق والأساليب التي من شأنها أن تنجّز التكليف على مأموره ، بحيث يستحقّ العقاب على مخالفة التكليف.
والعقلاء يرون أنّ الآمر لا يحقّ له أن يعاقب عبيده على مخالفة تكليف لم يصلهم فينجّز بشأنه ، بل يرونه قبيحا وظلما ، وهذا يعني أنّ القاعدة من المرتكزات العقلائيّة مضافا إلى كونها عقليّة أيضا.
وعلى هذا فتكون التكاليف المعلومة والواصلة هي المنجّزة والتي يستحقّ المكلّف العقاب على مخالفتها ؛ لأنّ الشارع قد أمضى هذا البناء العقلائي إذ لم يعلم بوجود طريق خاصّ للشارع في هذا الصدد.
والجواب : أنّ هذا مبني على كون المولويّة الشرعيّة كالمولويّة العرفيّة ، إلا أنّه غير تامّ ؛ وذلك :
أوّلا : أنّ نفس المولويّة مفهوم كلّي مشكّك وليست بمعنى واحد ، أي أنّها تختلف
__________________
(١) في نفس البحث من الحلقة الثانية وتحت نفس العنوان.