سعة وضيقا من وال إلى آخر ، فيحقّ لكلّ وال أن يضع الطريق الذي يختاره حجّة ومنجّزا بينه وبين مأموريه ، ولذلك يعقل أن يتّفق مع مواليه على أنّ كلّ انكشاف واحتمال للتكليف فهو منجّز عليهم ، وبالتالي فكلّ من يخالف سوف يكون مستحقّا للعقاب بحكم العقل وإن لم يكن التكليف معلوما لديه.
وبهذا يكون حقّ المولويّة مختلفا سعة وضيقا في نفسه ، فلا بدّ أن نبحث في أنّ الشارع هل جعل حقّ مولويّته وطاعته واسعا ليشمل كلّ انكشاف ، أم جعله ضيّقا مختصّا بالتكاليف المعلومة فقط؟
وثانيا : أنّ نفس قياس المولويّة العرفيّة على المولويّة الحقيقيّة قياس مع الفارق ؛ وذلك لأنّ المولويّة العرفيّة مجعولة من الغير بينما المولويّة الحقيقيّة ذاتيّة للشارع بحكم خالقيّته لنا.
وحينئذ يمكن أن تكون المولويّة المجعولة في حدود التكاليف المعلومة فقط ، بينما تكون المولويّة الحقيقيّة الذاتيّة شاملة لكلّ انكشاف للتكليف.
والخلط بين المولويّتين هو الذي أدّى إلى قياس إحداهما على الأخرى.
الثالث : ما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمهالله (١) من أنّ كلّ أحكام العقل العملي مردّها إلى حكمه الرئيسي الأوّلي بقبح الظلم وحسن العدل. ونحن نلاحظ أنّ مخالفة ما قامت عليه الحجّة خروج عن رسم العبوديّة ، وهو ظلم من العبد لمولاه ، فيستحقّ منه الذمّ والعقاب ، وأنّ مخالفة ما لم تقم عليه الحجّة ليست من أفراد الظلم ، إذ ليس من زىّ العبوديّة ألاّ يخالف العبد مولاه في الواقع وفي نفس الأمر ، فلا يكون ذلك ظلما للمولى ، وعليه فلا موجب للعقاب بل يقبح ، وبذلك يثبت قبح العقاب بلا بيان.
الدليل الثالث : ما ذكره المحقّق الأصفهاني رحمهالله من إرجاع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إلى قاعدة العدل والظلم العقليّين.
وبيانه : أنّ العقل يحكم بقبح الظلم وحسن العدل ، وكلّ ما يدخل فيهما يحقّق الصغرى ، فالكذب ظلم إذا فهو قبيح ، والصدق والإحسان عدل فهما حسن ، وهكذا.
__________________
(١) نهاية الدراية ٤ : ٨٤.