وهذه القاعدة من مدركات العقل العملي القاضي بما ينبغي أن يكون عند ما يواجه قضيّة ما.
وفي مقامنا نقول : إنّ المكلّف إذا خالف ما قامت عليه الحجّة من تكاليف المولى كان خارجا عن زيّ العبوديّة فيكون ظالما لمولاه ، حيث لم يطعه حيث تجب طاعته ، فيكون مستحقّا للذمّ والعقاب ؛ لأنّه فعل قبيحا وظلما ، وأمّا إذا خالف ما لم تقم الحجّة عليه من تكاليف كأن فعل في مورد الحرمة أو ترك في مورد الوجوب مع عدم قيام الدليل والحجّة عليهما ، فلا يكون خارجا عن زيّ العبوديّة ولا يكون ظالما لمولاه ، لأنّه ليس من رسم العبوديّة أن يطيع العبد مولاه فيما لا يعلمه من تكاليف أو يخالفه في تكاليفه الواقعيّة الثابتة في نفس الأمر واللوح المحفوظ مع جهله بها ، ولذلك لا تكون مخالفته هنا ظلما ولم يفعل قبيحا ، بل يقبح حينئذ عقابه وذمّه.
فإذا ثبت ذلك ظهر أنّه ما لم يقم البيان والعلم لدى المكلّف على التكاليف فلا يكون تركه ومخالفته الواقعيّة مع عدم وصولها إليه ظلما وقبحا ، بل الظلم والقبح أن يؤاخذ على ذلك ويعاقب.
وبهذا ظهر أنّ مرجع قاعدة قبح العقاب بلا بيان إلى كونها فردا ومصداقا للقضيّة العقليّة التي يدركها العقل العملي من حسن العدل وقبح الظلم ، بحيث يدور الأمر حول تحقّق الظلم وعدم تحقّقه.
والتحقيق : أنّ ادّعاء كون حكم العقل بقبح الظلم هو الأساس لأحكام العقل العملي بالقبح عموما ، وأنّها كلّها تطبيقات له ، وإن كان هو المشهور والمتداول في كلماته وكلمات غيره من المحقّقين إلا أنّه لا محصّل له ؛ لأنّنا إذا حلّلنا نفس مفهوم الظلم وجدنا أنّه عبارة عن الاعتداء وسلب الغير حقّه ، وهذا يعني افتراض ثبوت حقّ في المرتبة السابقة ، وهذا الحقّ بنفسه من مدركات العقل العملي ، فلو لا أنّ للمنعم حقّ الشكر في المرتبة السابقة لما انطبق عنوان الظلم على ترك شكره ، فكون شيء ظلما وبالتالي قبيحا مترتّب دائما على حقّ مدرك في المرتبة السابقة ، وهو في المقام حقّ الطاعة.
فلا بدّ أن يتّجه البحث إلى أنّ حقّ الطاعة للمولى هل يشمل التكاليف