الواصلة بالوصول الاحتمالي ، أو يختصّ بما كان واصلا بالوصول القطعي ، بعد الفراغ عن عدم شموله للتكليف بمجرّد ثبوته واقعا ولو لم يصل بوجه؟
والتحقيق في الجواب عن هذا الاستدلال أن يقال : إنّ الادّعاء المذكور من أنّ الأساس للأحكام العقليّة هو قبح الظلم ، وأنّ كلّ الأحكام العقليّة التي يدركها العقل العملي ترجع في عمومها إلى كون الظلم متحقّقا أم لا ، بمعنى أنّ كلّ الأحكام العقليّة تكون تطبيقات للظلم فإذا ثبت كونها مصداقا له كانت قبيحة ، وإلا فلا ، فهذا الادّعاء على شهرته بين الأصوليّين وغيرهم إلا أنّه لا معنى محصّل له.
وبيانه : أنّ قبح الظلم الذي هو الأساس في الأحكام العقليّة من القضايا البديهيّة المسلّمة ، إلا أنّ مفهوم الظلم نفسه عبارة عن الاعتداء على حقّ الغير أو سلب الغير حقّه ، وهذا يفترض مسبقا ثبوت الحقّ للغير ليكون سلبه والاعتداء عليه ظلما وبالتالي قبيحا.
وحينئذ نقول : إنّ الحقّ الثابت للمولى يكون الاعتداء عليه ظلما وقبيحا ؛ لأنّ هذا الحقّ ثابت للمولى بحكم مولويّته وخالقيّته وإنعامه على عبيده ، بحيث لزمهم الشكر على ذلك بحكم العقل وترك الشكر يعتبر ظلما وقبحا ، وهذا كلّه واضح ممّا لا كلام فيه ، وإنّما الكلام في أنّ هذا الحقّ الثابت للمولى والذي أدركه العقل العملي ما هو؟
والجواب : أنّ هذا الحقّ هو لزوم الطاعة للمولى على عبيده شكرا منهم له على خلقه وإنعامه.
وحينئذ لا بدّ أن ينصبّ البحث حول تحديد دائرة هذا الحقّ لنرى ما هو الواجب على العبيد التزامه وأداء مراسم الشكر والطاعة فيه؟
وبهذا يتّجه البحث مجدّدا إلى أنّ حقّ الطاعة الثابت للمولى هل دائرته تختصّ في لزوم إطاعته بما علم المكلّف من التكاليف أي التكاليف الواصلة للمكلّف عن طريق القطع فقط ، أو أنّها تشمل كلّ ما يحتمله المكلّف من تكاليف للمولى أي التكاليف المنكشفة لديه ولو بنحو الاحتمال؟
فإن قيل بالأوّل ثبت أنّ العقاب مع عدم البيان ووصول التكليف لدى المكلّف قبيح وظلم ، وإن قيل بالثاني لم يكن عقابه على ترك ما يحتمله وجوبه أو فعل ما