ثابت بحقّ العالم والجاهل ومن وصل إليه التكليف ومن لم يصل إليه ؛ وذلك لأنّ هذه المبادئ والمصالح والملاكات ثابتة في عالم التشريع والواقع.
فالتكليف إذا ثابت واقعا لثبوت مناشئه سواء كان منجّزا على المكلّف بأن وصل إليه أم لم يكن منجّزا عليه بأن لم يكن واصلا إليه ، بل كان جاهلا أو شاكّا فيه ؛ إذ الجعل والإرادة والملاك والمصلحة يكفي في ثبوتها واقعا لحاظها من الشارع ولا مدخليّة لوصولها إلى المكلّف في ذلك.
فعلى هذا التقدير لا يتمّ ما ذكر من انتفاء التكليف الحقيقي عند عدم وصوله ؛ لأنّ الوصول لا مدخليّة له في ثبوت هذا التكليف بالتفسير الذي ذكرناه.
وإن كان المقصود من التكليف الحقيقي ما يكون ناشئا من مصلحة وملاك وشوق ولكن مقرونا بداعي البعث والتحريك أيضا ، فهذا لو سلّم وفرض معقوليّته وكونه متوقّفا على الوصول كما ذكر المحقّق الأصفهاني في استدلاله ، ولكن لا نسلّم أنّه إذا لم يصل التكليف بهذا المعنى فلا يكون ثابتا كما أراده المستدلّ ، بل من الممكن أن يكون ثابتا حتّى مع عدم وصوله ؛ وذلك لأنّ عدم وصول التكليف إنّما يقتضي انتفاء التحريك والبعث ، فلا بعث ولا تحريك للمكلّف نحو الفعل المتعلّق لهذا الحكم ، إلا أنّ المكلّف في هذه الصورة لا يزال يحتمل ويشكّ في أنّ المصلحة والملاك والمبادئ والإرادة التي هي المنشأ للتكليف الحقيقي هل لا تزال موجودة أم لا؟
وبتعبير آخر : أنّ انتفاء البعث والتحريك لا يلزم منه انتفاء المصلحة والإرادة ، بل قد تنتفيان وقد تثبتان حتّى على تقدير عدم كون التكليف محرّكا وباعثا.
وحينئذ لا بدّ أن ينصبّ البحث مجدّدا حول إمكانيّة منجّزيّة هذا الاحتمال وعدم منجّزيّته ، فهل يكفي الاحتمال للمبادئ والإرادة في التنجيز أو لا يكفي؟ فإنّ هذا بحث آخر مستقلّ عن السابق.
فإن قيل بعدم كفايته ثبت المطلوب للمستدلّ ، وإن قيل بكفايته لم يتمّ ما ذكره حتّى وإن كان هذا التكليف الذي انتفى منه البعث والتحريك لا يطلق عليه عنوان التكليف الواقعي ، فإنّ إطلاق هذه التسمية وعدم إطلاقها مجرّد اصطلاحات وصياغات اعتباريّة ، فوجودها وانتفاؤها لا ينهى البحث الذي طرحناه والذي مرجعه في حقيقة الأمر إلى تحديد دائرة حقّ الطاعة ، بمعنى أنّ الاحتمال هل يكفي لتنجيز