خصائص الأصول العمليّة
عرفنا فيما تقدّم (١) أنّ الأصول العمليّة نوع من الأحكام الظاهريّة الطريقيّة المجعولة بداعي تنجيز الأحكام الشرعيّة أو التعذير عنها ، وهو نوع متميّز عن الأحكام الظاهريّة في باب الأمارات ، وقد ميّز بينهما بعدّة وجوه :
تقدّم سابقا أنّ الأحكام الظاهريّة تصدر من الشارع عند التزاحم الحفظي بين الملاكات الواقعيّة للأحكام ؛ لبيان ما هو الأهمّ من هذه الملاكات عند عدم تمييز المكلّف لها ، وقلنا : إنّها على قسمين : الأمارات والأصول.
وتقدّم أيضا أنّ الأحكام الظاهريّة كلّها أحكام طريقيّة يراد بها التوصّل للحكم الواقعي ، فهي لا تشتمل على مبادئ وملاكات زائدة عن ملاكات ومبادئ الأحكام الواقعيّة ، بل هي إبراز لما هو الأهمّ من ملاكات الواقع بداعي تنجيزها إذا كانت ملاكات الإلزام هي الأهمّ ، أو التعذير عنها إن كانت ملاكات الإباحة هي الأهمّ.
إلا أنّ الحكم الظاهري المجعول في باب الأمارات يختلف عنه في باب الأصول وإن اتّحدا في كونهما حكما ظاهريّا ، وأمّا حقيقة كلّ منهما وتمييز أحدهما عن الآخر فهذا ما سوف نبحث فيه الآن.
ولذلك نقول : اختلفت كلماتهم في الفرق بين الأمارات والأصول على أقوال :
الأوّل : أنّ الفرق بينهما ينشأ من اختلافهما في سنخ المجعول في دليل حجّيّة الأمارة ودليل الأصل ، فالمجعول في الأوّل الطريقيّة مثلا ، وفي الثاني الوظيفة العمليّة أو التنزيل منزلة اليقين بلحاظ الجري العملي بدون تضمّن لجعل الطريقيّة.
الاتّجاه الأوّل : ذكرت مدرسة الميرزا تبعا للشيخ الأنصاري أنّ الفارق بين الأمارات
__________________
(١) في بحث الحكم الواقعي والظاهري من أبحاث التمهيد من الجزء الأوّل للحلقة الثالثة ، تحت عنوان : الأمارات والأصول.