والأصول ينشأ من نوعيّة وسنخ المجعول في كلّ منهما ، وذلك بأن يقال : إنّ المجعول في باب الأمارات هو الطريقيّة والعمليّة والكاشفيّة ، أي أنّ الشارع نزّل الأمارة منزلة العلم في الكاشفيّة والطريقيّة ، فهي وإن كانت كاشفيّتها وطريقيّتها ناقصة تكوينا ، إلا أنّ الشارع بجعله الحجّيّة لها تمّم هذا الكشف ، كما هو الحال في خبر الثقة مثلا.
بينما المجعول في باب الأصول أحد أمرين :
١ ـ أن يكون المجعول تحديد الوظيفة العمليّة فقط في مقام الشكّ من دون أن يكون هناك أيّة كاشفيّة أو تنزيل ، وإنّما يلحظ الشكّ فقط ويعالجه ، كما هو الحال في الأصول العمليّة المحضة ، كالبراءة والاحتياط ، فإنّ المجعول في الأوّل المعذّريّة وفي الثاني المنجّزيّة عن المورد المشكوك من دون أن يكون فيهما كاشفيّة أو تنزيل أصلا.
٢ ـ أن يكون المجعول التنزيل أي أنّ الشارع ينزّل الأصل منزلة اليقين بلحاظ الجري العملي فقط الذي هو الخصوصيّة الثالثة لليقين ، بناء على تقسيمات الميرزا وتصوّراته ، فهذا النحو من الأصول العمليّة قد لوحظ فيه أن يكون باعثا ومحرّكا تماما كاليقين ، كما هو الحال في الاستصحاب حيث يقال : إنّ الشارع قد نزّل مؤدّى الاستصحاب أي الحكم المستصحب منزلة اليقين ، فكأنّ الحكم ثابت واقعا ، وهو يستدعي الجري العملي على طبقه.
وقد تقدّم الكلام عن ذلك ، ومرّ بنا أنّ هذا ليس هو الفرق الحقيقي.
وحاصل فذلكة الموقف : أنّه لم يرد عنوانا ( الأمارة ) و ( الأصل ) في دليل ليتكلّم عن تمييز أحدهما عن الآخر بأي نحو اتّفق ، وإنّما نعبّر بالأمارة عن تلك الحجّة التي لها آثارها المعهودة بما فيها إثباتها للأحكام الشرعيّة المترتّبة على اللوازم العقليّة لمؤدّاها ، ونعبّر بالأصل عن ذلك الحكم الظاهري الذي ليس له تلك الآثار.
وقد عرفنا سابقا أنّ مجرّد كون المجعول في دليل الحجّيّة الطريقيّة لا يفي بإثبات تلك الآثار للأمارة.
ويرد عليه : أنّ هذا الفرق بينهما لا ينظر إلى حقيقة الأمارة والأصل ، وإنّما ينظر إلى كيفيّة صياغة الحكم الظاهري في موارد الأمارة والأصل فقط ، مع أنّه لا شكّ بوجود فارق جوهري وثبوتي يختلف على أساسه الأصل عن الأمارة ، سواء كان لسان جعله