عنوان الجري العملي وتحديد الوظيفة العمليّة ، أم كان بلسان الطريقيّة والكاشفيّة ، فإنّ هذه مجرّد صياغات اعتباريّة.
والحاصل أنّ عنواني الأمارة والأصل لو كانا واردين في دليل شرعي ـ كالأخبار ـ كان لهذه التفرقة وجه ؛ لأنّ الشارع يكون على هذا الأساس قد فرّق بينهما في الواقع وأنّه يوجد ملاك واقعي للفرق بينهما ، فيكون ما ذكره الميرزا من الفارق الظاهري صحيحا ؛ لأنّه لا يطالب بالكشف عن الفارق الثبوتي ما دام الشارع قد قال بوجوده واقعا. إلا أنّهما لم يردا في الأخبار كذلك ، وعليه فلا مبرّر للتفرقة بينهما بأي نحو اتّفق.
وإنّما عنوانا الأمارة والأصل من المصطلحات الأصوليّة للتعبير عن نحوين من الحكم الظاهري فيقال : إنّ الحكم الظاهري الذي يثبت به المدلول الالتزامي بحيث تترتّب الأحكام الشرعيّة على لوازمه الشرعيّة والعقليّة يعبّر عنه بالأمارة ، بينما الحكم الظاهري الذي لا يثبت به إلا المدلول المطابقي فقط أو هو مع المدلول الالتزامي الشرعي دون العقلي يعبّر عنه بالأصل.
ومن هنا ارتكز عندهم أنّ مثبتات الأمارة حجّة سواء كانت هذه اللوازم شرعيّة أم عقليّة ، بينما مثبتات الأصل ليست حجّة إلا إذا كانت اللوازم شرعيّة فقط.
وحينئذ يبحث عن حقيقة المجعول في الأمارة والأصل من أجل بيان النكتة الثبوتيّة في كلّ منهما والتي على أساسها حصل هذا الاختلاف ، فالبحث ينبغي أن ينصبّ حول هذا الفارق الثبوتي والذي هو من المخترعات الأصوليّة.
وقد تقدّم أنّ مجرّد كون المجعول في الأمارة الطريقيّة والكاشفيّة والعمليّة دون الأصل لا يكفي لتبرير حجّيّة مثبتات الأمارة دون الأصل ؛ وذلك لأنّ هذه التفرقة لا تنظر إلى النكتة الثبوتيّة ، وإنّما هي مجرّد صياغة إثباتيّة فقط.
وعليه فلو كان الأصل مجعولا بلسان الطريقيّة والكاشفيّة أيضا لم تكن مثبتاته حجّة ، بينما تكون مثبتات الأمارة حجّة حتّى لو كانت مجعولة بلسان الجري العملي وتحديد الوظيفة العمليّة ، وهذا يعني أنّ الفارق أعمق من ذلك.
الثاني : أنّ الفرق بينهما ينشأ من أخذ الشكّ موضوعا للأصل العملي ، وعدم أخذه كذلك في موضوع الحجّيّة المجعولة للأمارة.