التكليف أيضا ، فصارت النسبة بين اسم الموصول والفعل نفسه نسبة الفعل إلى المفعول المطلق ، أي إلى طور أو نوع أو حالة أو كيفيّة من الفعل ، بينما شمول اسم الموصول للمال أو الفعل من باب المفعول به أي نسبة الفعل إلى المغاير.
وحينئذ وقع الإشكال بأنّه كيف يجمع بين النسبتين في استعمال واحد؟
ولكنّ الصحيح أنّ مادّة الفعل الوارد في الآية والتي هي التكليف ليست بمعنى الحكم بل بمعنى الإدانة والتحميل ، والتكليف الوارد في اسم الموصول بمعنى الحكم ، وعليه فيكون اسم الموصول مستعملا في معنى واحد وهو نسبة المفعول به ، وبإطلاقه وعمومه يشمل المال والفعل والتكليف بمعنى الحكم.
ويكون المعنى حينئذ : أنّ الله لا يكلّف نفسا أي لا يدينها ولا يحمّلها إلا تكليفا أي حكما آتاها أي أوصله لها ، فليس المراد من مادّة الفعل واسم الموصول شيئا واحدا ليقال : إنّ النسبة بينهما هي المفعول المطلق ، بل المراد من أحدهما معنى يغاير المعنى المراد من الآخر ، فالنسبة هي المفعول به ؛ لأنّ المفعول المطلق نسبة الشيء إلى حالته أو نوعه ، بينما نسبة الفعل إلى المفعول به نسبة المغاير إلى المغاير.
ثمّ إنّ البراءة التي تستفاد من هذه الآية الكريمة : إن كانت بمعنى نفي الكلفة بسبب التكليف غير المأتي فلا ينافيها ثبوت الكلفة بسبب وجوب الاحتياط إذا تمّ الدليل عليه ، فلا تنفع في معارضة أدلّة وجوب الاحتياط. وإن كانت البراءة بمعنى نفي الكلفة في مورد التكليف غير المأتي فهي تنفي وجوب الاحتياط وتعارض مع ما يدّعى من أدلّته. والظاهر هو الحمل على المورديّة لا السببيّة ؛ لأنّ هذا هو المناسب بلحاظ الفعل والمال أيضا ، فالاستدلال بالآية جيّد.
ثمّ بعد الفراغ عن استفادة البراءة من الآية الكريمة توجد عدّة بحوث لا بدّ من التعرّض لها :
البحث الأوّل : في النسبة بين البراءة والاحتياط.
وهنا لا بدّ من تحديد المعنى المستفاد من الآية الدالّ على البراءة ، فإنّه يوجد معنيان لاستفادة البراءة من نفي الكلفة في الآية هما :
الأوّل : أن يكون المراد من نفي الكلفة الذي هو معنى البراءة نفيها بسبب التكليف غير المأتي ، أي أنّه بسبب عدم إتيان التكليف للمكلّف فلا كلفة عليه ، بل يكون بريئا ،