فهذا المعنى لا يتنافى مع ثبوت الكلفة بسبب آخر كوجوب الاحتياط فيما لو تمّت أدلّته متنا وسندا ؛ لأنّه يكون سببا مستقلاّ لإثبات الكلفة غير السبب الأوّل المنتفي ، فيكون ثبوت الاحتياط غير معارض بالبراءة المستفادة من الآية ؛ لأنّها ثابتة بسبب عدم إتيان التكليف لا أكثر ، والكلفة الثابتة بالاحتياط كلفة مستقلّة ناشئة من سبب آخر غير الكلفة المنفية بالبراءة ، ولذلك لا تعارض بين البراءة والاحتياط ؛ لأنّ كلاّ منهما ينظر إلى جهة مغايرة للآخر.
الثاني : أن يكون المراد من نفي الكلفة أنّه في مورد عدم إيتاء التكليف لا كلفة ولا إدانة ، فهذا المعنى بنفسه ينفي وجوب الاحتياط ؛ لأنّ الاحتياط يثبت الكلفة في مورد عدم إيتاء التكليف والبراءة تنفيها ، فكلاهما ناظران إلى موضوع واحد ، وهو أنّه في فرض عدم إيتاء التكليف ما هو الحكم؟
فالبراءة تقول : إنّه لا كلفة ولا إدانة بينما الاحتياط يقول : إنّه يوجد كلفة وإدانة ، فيقع التعارض بينهما حينئذ.
والحاصل : أنّنا إذا حملنا البراءة المستفادة من الآية على السببيّة كان الاحتياط ثابتا بلا معارض ، وإن حملناها على المورديّة كان الاحتياط والبراءة متعارضين.
والظاهر هو حمل البراءة ونفي الكلفة على المورديّة لا السببيّة.
ووجهه : أنّ الآية موردها المال والتكليف لا يكون بسبب المال وإنّما يكون في مورده ، فوجوب النفقة على الزوج ثابت في مورد المال لا بسبب المال ، أي أنّ المال ليس هو السبب في جعل التكليف على الزوج بالإنفاق وإنّما هو المورد لهذا الجعل ، وكذا الحال بالنسبة للفعل الذي يشمله اسم الموصول بإطلاقه ، فإنّ التكليف لا يكون بسبب الفعل وإنّما في مورده ، فيقال : إنّ فلانا مكلّف بالقيام بالعمل الفلاني فيما إذا كان قادرا على فعله أي في مورد قدرته لا في حال عجزه ، لا أنّ تكليفه بالقيام يكون بسبب الفعل.
وهكذا الحال بالنسبة للتكليف فإنّ الشارع لا يكلّف العبد ولا يدينه في مورد الجهل وعدم إيتاء التكليف ، وإن كان معنى السببيّة معقولا في نفسه ، إلا أنّ وحدة المراد والسياق في الجميع تقتضي الحمل على المورديّة.
وبهذا يظهر أنّ الاستدلال بالآية الكريمة على البراءة بمعنى التأمين ونفي العقاب في