مورد عدم العلم بالحكم الواقعي جيّد ولا غبار عليه ، ولا يكون الاحتياط على تقدير تماميّة أدلّته رافعا للبراءة ، بل يكون معارضا لها ، وسيأتي في محلّه.
وبالنسبة إلى مدى الشمول فيها لا شكّ في شمولها للشبهات الوجوبيّة والتحريميّة معا.
البحث الثاني : في كون البراءة جارية في الشبهات الوجوبيّة والتحريميّة معا.
وهنا لا شكّ في أنّ الآية تشمل كلا الموردين ؛ لأنّ المأخوذ في لسانها إنّما هو نفي الكلفة عند عدم إيتاء الحكم والحكم ينطبق على الوجوب والحرمة معا ، فلا مبرّر لتخصيصها بالوجوب أو الحرمة ؛ لأنّ لسانها عامّ ومطلق.
نعم ، بعض الأدلّة الأخرى للبراءة يختصّ بإحدى الشبهتين كما سيأتي ، حيث إنّ موردها ذلك ، وأمّا هذه الآية فهي ابتداء تثبت البراءة عند الجهل وعدم وصول التكليف ، وهذا يشمل كلا الشبهتين أي الوجوبيّة والتحريميّة.
بل للشبهات الحكميّة والموضوعيّة معا ؛ لأنّ الإيتاء ليس بمعنى إيتاء الشارع بما هو شارع ليختصّ بالشبهات الحكميّة ، بل بمعنى الإيتاء التكويني ؛ لأنّه المناسب للمال والفعل.
البحث الثالث : في شمول البراءة للشبهات الموضوعيّة والحكميّة.
لمّا كانت هذه الآية تفيد جريان البراءة عند الشكّ في التكليف فقد يتصوّر اختصاصها بالشبهات الحكميّة فقط ؛ لأنّه فيها يشكّ بالتكليف ، دون الشبهات الموضوعيّة ، إلا أنّ الصحيح أنّ الشبهات الموضوعيّة أيضا يشكّ فيها بالتكليف. وبيان ذلك : تارة يشكّ المكلّف في وجوب الدعاء عند رؤية الهلال وعدمه ، فهنا يشكّ في الحكم والتكليف ، فيصدق عدم الإيتاء والوصول فتجري البراءة جزما.
وأخرى يشكّ في أنّ هذا المائع خمر أو لا ، فهذا شكّ في الموضوع ابتداء ولكنّه عمليّا ينتج منه الشكّ في الحكم ؛ لأنّه إن كان خمرا فهو حرام وإن كان ماء فهو حلال ، فيعود الشكّ إلى الحكم فتجري البراءة أيضا.
والحاصل : أنّه لا فرق بين الشبهات الحكميّة والموضوعيّة في جريان البراءة فيهما عند الشكّ ، بل لا معنى للقول باختصاصها في الشبهات الحكميّة ؛ لأنّ الشبهة الموضوعيّة يعود الشكّ فيها إلى الشكّ في الحكم.