بالالتزام بها وامتثالها ، فإذا بيّن لهم هذه الأحكام ووصلت إليهم فمع مخالفتها يستحقّون العقاب ؛ لأنّهم خالفوا الأحكام الواقعيّة للمولى ومخالفتها توجب العقاب ، وأمّا إذا لم يبيّن لهم الأحكام الواقعيّة التي يجب عليهم اتّقاؤها فمع المخالفة الواقعيّة لها في هذه الحالة لا يستحقّون العقاب ؛ لأنّه لا عقاب إلا على مخالفة الأحكام الواقعيّة ، فتكون البراءة المستفادة من الآية بناء على هذا التفسير سنخ براءة ثابتة في مورد عدم بيان الحكم الواقعي ، وعليه فتكون أدلّة الاحتياط على فرض تماميّتها معارضة لهذه البراءة ؛ لأنّ موضوعهما واحد وهو عدم وصول التكليف الواقعي.
وبتعبير آخر : أنّ البراءة ثابتة مع عدم البيان على الواقع والاحتياط أيضا على فرض تماميّته ثابت في هذا المورد فيتعارضان.
الاحتمال الثاني : أن يكون المراد من قوله : ( ما يَتَّقُونَ ) ما يشمل العنوان الثانوي الظاهري أيضا ، فيكون المعنى أنّه مع عدم بيان الحكم الواقعي والحكم الثانوي المجعول في ظرف الشكّ في الواقع ، والذي هو حكم ظاهري طريقي ، تكون البراءة ثابتة ؛ إذ لا خزي ولا عقاب مع عدم بيان هذين النحوين من الحكم ، وأمّا مع بيان الحكمين الواقعي أو الظاهري فالعقاب والخزي ثابت.
أمّا العقاب على الأوّل فواضح ؛ لأنّ العقل يحكم بوجوب الامتثال والطاعة لتكاليف المولى الواقعيّة ، ويحكم باستحقاق العقاب على مخالفتها ؛ لكون المخالفة خروج عن زيّ العبوديّة وتعدّ على حدود المولى.
وأمّا العقاب على الثاني فلأنّه طريق كاشف عن الواقع فهو ينجّز الواقع ، وتكون المخالفة هنا احتماليّة لا قطعيّة ، إذ لعلّ هذا الحكم الظاهري مخطئ غير مصيب للواقع ؛ لما تقدّم في محلّه من أنّ الأحكام الظاهريّة قد تصيب وقد تخطئ بناء على مذهب التخطئة ، فيكون العقاب حينئذ ثابتا في مورد المخالفة القطعيّة بأن يبيّن الحكم الواقعي ويخالفه ، وثابتة أيضا في مورد المخالفة الاحتماليّة بأن يبيّن الحكم الظاهري ويخالفه.
وحينئذ تكون البراءة المستفادة من الآية على هذا التفسير سنخ براءة مورودة للاحتياط ؛ لأنّ الاحتياط على فرض تماميّة أدلّته معناه وصول الحكم الظاهري الذي