القطعي ، فتكون الإباحة والحلّيّة الثابتة بهذا العموم إباحة وحلّيّة واقعيّة.
بينما المطلوب الاستدلال بالآية على الحلّيّة والإباحة والتأمين الظاهري عند عدم وجدان ما يصلح دليلا على الحكم المشكوك ، فالآية ناظرة إلى شيء آخر ولا أقلّ من احتمال ذلك فتكون مجملة ، وبالتالي لا يتمّ الاستدلال بها.
ومنها : قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )(١).
وتقريب الاستدلال كما تقدّم في الحلقة السابقة (٢).
الآية الرابعة للاستدلال على البراءة ، قوله تعالى : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً ... ) بتقريب أنّ الله سبحانه وتعالى نفى الإضلال بعد الهداية حتّى يبيّن للناس.
والمعنى المتحصّل هو أنّ الإضلال والخذلان لا يكون إلا بعد البيان ، وأمّا قبل البيان فلا إضلال ولا عذاب ، وهذا يعني التأمين من العقاب مع عدم البيان.
وفي مقامنا إذا لم يبيّن التكليف لهم ـ وبيانه لهم يعني وصوله إليهم ـ فلا عقاب عليهم وهو يعني البراءة ، فالاستدلال تامّ.
يبقى الكلام في أنّ البراءة المستفادة من الآية هل هي معارضة لأدلّة الاحتياط على فرض تماميّتها ، أو أنّ أدلّة الاحتياط مقدّمة وحاكمة عليها باعتبارها بيانا؟
وهذا الأمر مرتبط بتفسير قوله : ( ما يَتَّقُونَ ) ، وهنا يوجد احتمالان في تفسير هذا الاتّقاء هما :
وما يتّقى إن أريد به ما يتّقى بعنوانه انحصر بالمخالفة الواقعيّة للمولى ، فتكون البراءة المستفادة من الآية الكريمة منوطة بعدم بيان الواقع ، وإن أريد به ما يتّقى ولو بعنوان ثانوي ظاهري كعنوان المخالفة الاحتماليّة كان دليل وجوب الاحتياط واردا على هذه البراءة ؛ لأنّه بيان لما يتّقى بهذا المعنى.
الاحتمال الأوّل : أن يكون المراد من قوله : ( ما يَتَّقُونَ ) العنوان الأوّلي ، وحينئذ يكون المعنى : أنّ الله لا يعاقب ولا يخزي قوما إلا بعد أن يبيّن لهم الأحكام الواقعيّة ؛ لأنّها هي التي يجب على الناس اتّقاؤها وعدم مخالفتها ، وذلك
__________________
(١) التوبة : ١١٥.
(٢) في بحث الأصول.