فإن أشكل عليه بأنّنا نلتزم بأن يكون المراد من الغاية الصدور أي صدور النهي الواقعي من الشارع ، ونلتزم أيضا بأن يكون المراد من المغيّى الإباحة الواقعيّة ، فالإباحة الواقعيّة ثابتة إلى أن يصدر النهي الواقعي.
كان جوابه : أنّ هذا غير معقول في نفسه ؛ وذلك لأنّ الإباحة الواقعيّة والنهي الواقعي ضدّان ؛ لأنّهما حكمان تكليفيّان حقيقيّان متغايران لا يجتمعان على مورد واحد.
وحينئذ نسأل : ما هو المراد من جعل النهي الواقعي غاية للإباحة الواقعيّة؟
فإن كان المراد أنّ الإباحة الواقعيّة معلّقة واقعا وحقيقة على عدم صدور النهي الواقعي من الشارع ، بحيث يكون عدم صدور النهي الواقعي مقدّمة لثبوت الإباحة الواقعيّة ، فهذا مستحيل ؛ لما تقدّم في محلّه من استحالة أخذ عدم أحد الضدّين مقدّمة للضدّ الآخر.
فكما يستحيل أن يقال : إنّ عدم السواد مقدّمة لثبوت البياض فكذلك الحال هنا ؛ لاستلزامه الدور إذ عدم السواد لو كان مقدّمة للبياض فيكون البياض أيضا مقدّمة لعدم السواد أو عدم البياض مقدّمة للسواد.
وهنا لو كان عدم الحرمة مقدّمة لثبوت الإباحة فهذا يعني أنّ الإباحة أخذ في موضوعها عدم الحرمة ، فلكي تثبت الإباحة لا بدّ من إحراز عدم النهي ، ولكي نحرز عدم النهي لا بدّ أن تثبت الإباحة ، فصارت الإباحة متوقّفة على نفسها ، وهو غير معقول ؛ لأنّ عدم الضدّ لا يكون موضوعا ومقدّمة لثبوت الضدّ الآخر.
وإن كان المراد أنّ الإباحة الواقعيّة إنّما تثبت عند عدم ثبوت الحرام الواقعي فهذا لغو ، لأنّه تحصيل للحاصل لأنّ هذا الشيء إمّا أن يكون واقعا مباحا وإمّا أن يكون حراما ، فيكون إفادة هذا المطلب لغوا ؛ لأنّه حاصل تكوينا.
وبهذا يتّضح أنّه لا معنى لحمل الإباحة إلا على الإباحة الظاهريّة ولا معنى لحمل الورود إلا على الوصول ، وبه يتمّ الاستدلال بالحديث على البراءة والإباحة الظاهريّة ؛ لأنّها تكون مجعولة عند عدم الوصول الواقعي للحرام أي في فرض الشكّ في الصدور مع عدم الوصول.
ويرد على هذا الوجه : أنّ النهي عبارة عن الخطاب الشرعي الكاشف عن