الوجه الأوّل : ما ذكره السيّد الخوئي رحمهالله من تعيّن إرادة الوصول من الورود لا الصدور ؛ وذلك لأنّه إن أريد الصدور فالمغيّا وهو الإباحة والسعة إمّا أن تكون واقعيّة أو ظاهريّة.
فإن كانت واقعيّة فيكون المعنى أنّ الإباحة الواقعيّة ثابتة ومنوطة بعدم صدور النهي من الشارع ، وهذا غير معقول ؛ لأنّه من باب أخذ عدم الضدّ قيدا في الضدّ وهو محال ؛ لأنّ الإباحة ضدّ الحرمة كما هو واضح ، فتعليق الإباحة على عدم الحرمة من باب تعليق الضدّ على عدم ضدّه ، كما يقال إنّ الشيء الساكن يبقى كذلك إلى أن يتحرّك ، وهذا غير معقول للزوم الدور.
وإن كانت الإباحة ظاهريّة فيكون المعنى أنّ الإباحة الظاهريّة ثابتة عند عدم صدور النهي الواقعي من الشارع وهذا خلف ؛ لأنّ الإباحة الظاهريّة منوطة ومشروطة حينئذ بعدم الصدور ، فإذا أحرز عدم الصدور تثبت الإباحة الظاهريّة وإذا لم يحرز فلا تثبت.
وهذا لا فائدة منه ؛ لأنّه مع إحراز عدم الصدور للنهي فالإباحة الظاهريّة لا مجال لها إذ سوف يعلم حينئذ بأنّ الواقع ليس هو الحرمة ، بل الإباحة فتكون الإباحة واقعيّة لا ظاهريّة ، هذا أوّلا.
وثانيا : أنّه خلف ؛ لأنّ الأحكام الظاهريّة منوطة بالشكّ في الواقع ولا تجري عند إحراز الواقع.
وبهذا يتّضح أنّه إذا حملنا الورود على الصدور لم يكن هناك معنى للإباحة لا الواقعيّة ولا الظاهريّة ، فيتعيّن حمله على الوصول ، وحينئذ يكون المراد من المغيّى هو الإباحة الظاهريّة ، فيكون المعنى أنّه مع عدم وصول النهي الواقعي من الشارع إلى المكلّف فيحكم بالإباحة ظاهرا ، وهذا يصدق مع الشكّ في الصدور الواقعي أيضا عند عدم الوصول.
فإن قيل : لما ذا لا يفترض كون المغيّى إباحة واقعيّة؟
كان الجواب منه : أنّ الإباحة الواقعيّة والنهي الواقعي الذي جعل غاية متضادّان ، فإن أريد تعليق الأوّلى على عدم الثاني حقيقة فهو محال ؛ لاستحالة مقدّميّة عدم أحد الضدّين للضدّ الآخر. وإن أريد مجرّد بيان أنّ هذا الضدّ ثابت حيث لا يكون ضدّه ثابتا فهذا لغو من البيان ؛ لوضوحه.