وبهذا تكون البراءة معارضة للاحتياط ؛ لأنّه يثبت النهي الظاهري لا الواقعي ، فكلاهما موضوعهما واحد وهو الواقعة المشكوكة التي لم يرد فيه نهي واقعي.
الثاني : أن يكون المراد من ورود النهي الأعمّ من الورود الواقعي الأوّلي أو الظاهري الثانوي ، فالمجعول غاية حينئذ ورود النهي مطلقا واقعا أو ظاهرا ، فمع عدم ورود ما يفيد النهي مطلقا تثبت البراءة والسعة ، وأمّا مع ورود ما يفيد النهي ولو ظاهرا فالغاية تتحقّق فينتفي المغيّى ، وعلى هذا يكون دليل الاحتياط على فرض تماميّته واردا على دليل البراءة ؛ لأنّه يثبت النهي فيحقّق الغاية فتنتفي البراءة المغيّاة به.
وعلى هذا فالاستدلال بالآية على البراءة يتوقّف على أن يكون الورود بمعنى الورود الواقعي لا الأعمّ منه ومن الظاهري ، وإلا كانت البراءة مورودة لدليل الاحتياط.
أمّا النقطة الأولى : فقد يقال بتردّد الورود بين الصدور والوصول ، وهو موجب للإجمال الكافي لإسقاط الاستدلال.
تحقيق الحال حول النقطة الأولى ، وأنّ الورود ما ذا يراد به؟
قد يقال : إنّ الآية مجملة إذ كما يحتمل أن يكون المراد من الورود الوصول كذلك يحتمل أن يكون المراد منه الصدور ، وحيث إنّه لا معيّن لأحدهما على الآخر فتكون الآية مجملة لتردّد معنى الورود بينهما.
وهذا الإجمال والتردّد يكفي للمنع من تماميّة الاستدلال بالآية على البراءة ؛ لأنّه مبني على استظهار الوصول من الورود ، وهذا غير ظاهر لعدم الدليل عليه ، ومع الإجمال لا يتمّ الاستدلال.
وقد تعيّن إرادة الوصول بأحد وجهين :
وقد يقال : إنّ الوصول هو المتعيّن من كلمة الورود لا الصدور ، ويدلّ على ذلك وجهان :
الأوّل : ما ذكره السيّد الأستاذ من أنّ المغيّى حكم ظاهري فيتعيّن أن تكون الغاية هي الوصول لا الصدور ؛ لأنّ كون الصدور غاية يعني أنّ الإباحة لا تثبت إلا مع عدم الصدور واقعا ، ولا يمكن إحرازها إلا بإحراز عدم الصدور ، ومع إحرازه لا شكّ فلا مجال للحكم الظاهري.