وأما الدليل العلمي :
هو يتكون من تجربة عاشتها أمّة من الناس فترة امتدت سبعين سنة تقريباً وهي فترة الغيبة الصغرى. لتوضيح ذلك نمهد بإعطاء فكرة موجزة عن الغيبة الصغرى (١).
إنّ الغيبة الصغرى تُعبّر عن المرحلة الأولى من إمامة القائد المنتظر عليه الصلاة والسلام فقد قُدّر لهذا الإمام منذ تسلّمه للإمامة ان يستتر عن المسرح العام ويظلُّ بعيداً باسمه عن الأحداث وإن كان قريباً منها بقلبه وعقله ، وقد لوحظ أنّ هذه الغيبة إذا جاءت مفاجئة حققت صدمة كبيرة للقواعد الشعبية للإمامة في الأمة الاسلامية ؛ لأنّ هذه القواعد كانت معتادة على الاتصال بالإمام في كلّ عصر ، والتفاعل معه والرجوع إليه في حلّ المشاكل المتنوعة ، فإذا غاب الإمام عن شيعته فجأة وشعروا بالانقطاع عن قيادتهم الروحية الفكرية ، سبّبت هذه الغيبة (٢) المفاجئة الإحساس بفراغٍ دفعي هائل قد يعصف بالكيان كله ويشتت شمله ، فكان لابدّ من تمهيد لهذه الغيبة ؛ لكي تألفها هذه القواعد بالتدريج ، وتكيّف نفسها شيئاً فشيئاً على أساسها ، وكان هذا التمهيد هو الغيبة الصغرى التي اختفى فيها الإمام المهدي عن المسرح العام ، غير أنه كان دائم الصلة بقواعده وشيعته عن طرق وكلائه ونوابه والثقات من أصحابه الذين يشكلون همزة الوصل بينه وبين الناس المؤمنين بخطه الإمامي (٣). وقد شغل مركز النيابة عن الإمام في هذه الفترة أربعة
__________________
(١) راجع : الغيبة الصغرى / السيد محمد الصدر ، فقد توسّع في بحثها.
(٢) إشارة الى الغيبة الكبرى.
(٣) راجع : تبصرة الولي فيمن رأى القائم المهدي / السيد هاشم البحراني. دفاع عن الكافي / السيد ثامر العميدي ١ : ٥٦٨ وما بعدها.