مرحلة الغيبة الصغرى التي تتميز بنُواب معينين ، وابتداء الغيبة الكبرى التي لا يوجد فيها أشخاص معينون بالذات لوساطة بين الإمام القائد والشيعة ، وقد عبّر التحول من الغيبة الصغرى الى الغيبة الكبرى عن تحقيق الغيبة الصغرى لأهدافا وانتهاء مهمتها ؛ لأنها حصّنت الشيعة بهذه العملية التدريجية عن الصدمة والشعور بالفراغ الهائل بسبب غيبة الإمام ، واستطاعت ان تكيّف وضع الشيعة على أساس الغيبة ، وتعدّهم بالتدريج لتقبل فكرة النيابة العامة عن الإمام ، وبهذا تحولت النيابة من أفراد منصوصين (١) إلى خط عام (٢) ، وهو خط المجتهد العادل البصير بأمور الدنيا والدين تبعاً لتحول الغيبة الصغرى إلى غيبة كبرى.
والآن بإمكانك أن تقدّر الموقف في ضوء ما تقدم ، لكي تدرك بوضوح أنّ المهدي حقيقة عاشتها أمة من الناس ، وعبّر عنها السفراء والنواب طيلة سبعين عاماً من خلال تعاملهم مع الآخرين ، ولم يلحظ عليهم أحدٌ كلّ هذه المدة تلاعباً في الكلام ، أو تحايلاً في التصرف ، أو تهافتاً في النقل. فهل تتصور ـ بربك ـ أنّ بإمكان أكذوبة ان تعيش سبعين عاماً ، ويمارسها أربعة على سبيل الترتيب كلهم يتفقون عليها ، ويظلون يتعاملون على أساسها وكأنها قضية يعيشونها بأنفسهم ويرونها بأعينهم دون ان يبدر منهم أي شيء يثير الشك ، ودون ان يكون بين الأربعة علاقة خاصة متميزة تتيح لهم نحواً من التواطئ ، ويكسبون من خلال ما يتصف به سلوكهم من واقعية ثقة الجميع ، وإيمانهم بواقعية القضية التي يدّعون أنهم يحسونها ويعيشون معها؟!
لقد قيل قديماً : إنّ حبل الكذب قصير ، ومنطق الحياة يثبت أيضاً أنّ من
__________________
(١) إشارة إلى النواب الأربعة المذكورين.
(٢) وهو ما اصطلح عليه ( بالمرجعية الدينية ) ، ويلاحظ هنا الصفات التي يرى الإمام الشهيد لزوم توفرها في المرجعية.