تكون في الروح العامة ومن ناحية المبدأ إلى الحالة الحضارية التي يتجه اليوم الموعود الى تحقيقها بقيادته (١).
__________________
(١) ولا ينبغي ان يُشكل أحد بإنّ النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم مع عالمية رسالته ومهمته التغييرة الكبرى إلا أنه عاش في كنف الحضارة الجاهلية ، ولم يتأثر بها ، وكذا الانبياء السابقون ، فما هو الوجه في هذا الرأي؟
فجوابه :
أ ـ إنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أخضع فعلاً إلى حالة عزالة تامة عن الحضارة الجاهلية ، وأنه كما ورد في السيرة النبويّة قد حُبّبَ إليه الخلاء ، وكان يذهب إلى غار حراء يتحنث فيه وكذا الأنبياء كانوا يتنزّهون عما عليه مجتمعهم ، وكانوا يعتزلون ، واليه الاشارة في قوله تعالى : ( فلُمّا اعتَزَلَهُم ومَا يَعبُدُون مِن دون الله وَهَبنا لَهُ إسْحَاقَ ) مريم : ٤٩.
ب ـ إنّ النبي المرسل يوحى اليه ، ويسدّد مباشرة من السماء ، ويبلّغ بالأعمال والخطوات التي يتخذها خطوةً خطوةً ، والإمام عليهالسلام لا يوحى اليه ـ كما هو عقيدة الامامية ـ ولا يبلّغ بالأمور مباشرةً من السماء ، نعم يكون مسدّداً وتحت العناية الربانية ، ولذلك فهو يحتاج إلى اعداد خاص. ففي نفس الوقت الذي يكون فيه قريباً ومتصلاً بالحضارة الإسلامية ، مستمداً من آبائه عليهمالسلام الأصالة والمعرفة والعلم ، يكون مطلّلعاً على التجارب البشرية والحضارات في صعودها وعوامل تكوّنها وقوتها ، وكذلك إخفاقاتها وعوامل ضعفها وانهيارها ، فيستمد الخبرة والقدرة والإحاطة بالأمور جميعاً ، هذا مع اعتقادنا بقدرات الامام العلمية الذاتية التي وهبها الله تعالى له ، وبكونه مسدداً من السماء كما سيتوضح في المبحث الرابع.