أشهرا يختلف الدواب في جسده إلى شرح طويل نصون كتابنا عن ذكر تفصيله ، فمن يقبل عقله هذا الجهل والكفر كيف يوثق بروايته؟ ومن لايعلم أن الله تعالى لايسلط إبليس على خلقه وأن إبليس لا يقدر على أن يقرح الاجساد ولا أن يفعل الامراض كيف يعتمد روايته؟ فأما هذه الامراض النازلة بأيوب عليهالسلام فلم يكن إلا اختبارا وامتحانا وتعريضا للثواب بالصبر عليها والعوض العظيم النفيس في مقابلتها ، وهذه سنة الله تعالى في أصفيائه وأوليائه ، فقد روي عن الرسول (ص) أنه قال ـ وقد سئل أي الناس أشد بلاء؟ ـ فقال : الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل من الناس. فظهر من صبره على محنته وتماسكه ما صار إلى الآن مثلا حتى روي أنه كان في خلال ذلك كله شاكرا محتسبا ناطقا بماله فيه من المنفعة والفائدة ، وأنه ما سمعت له شكوى ولا تفوه بتضجر ولا تبرم ، فعوضه الله تعالى مع نعيم الآخرة العظيم الدائم أن رد عليه ماله وأهله وضاعف عددهم في قوله : « وآتيناه أهله ومثلهم معهم » وفي سورة ص : « ووهبنا له أهله ومثلهم معهم » ثم مسح ما به و شفاه وعافاه ، وأمره على ماوردت به الرواية يركض رجله الارض فظهرت عين اغتسل منها فتساقط ما كان على جسده من الداء ، قال الله : « اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب » والركض هو التحريك ، ومنه ركضت الدابة. انتهى كلامه أعلى الله مقامه. (١)
اقول : لا أعرف وجها لهذا الانكار الفظيع والتشنيع على تلك الرواية ، ولا أعرف فرقا بين ماصدر من أشقياء الانس بالنسبة إلى الانبياء حيث خلاهم الله مع إرادتهم بمقتضى حكمته الكاملة ولم يمنعهم عنها وبين ما نقل من تسليط إبليس في تلك الواقعة ، والجواب مشترك ، نعم لا يجوز أن يتسلط الشيطان على أديانهم كما دلت عليه الآيات ، وأما الابدان فلم يقم دليل على نفي تسلطه عليها أحيانا لضرب من المصلحة ، وكيف لاوهو الذي يغري جميع الاشرار في قتل الاخيار وإضرارهم ، وأيضا أي دليل قام على امتناع قدرة إبليس على فعل يوجب تقريح الاجساد وحدوث الامراض ، وأي فرق بين الشياطين والانس في ذلك؟ نعم لو قيل بعدم ثبوت بعض الخصوصيات من جهة الاخبار لامكن ذلك لكن الحكم بنفيها بمجرد الاستبعاد غير موجه والله يعلم.
__________________
(١) تنزيه الانبياء : ٦١ ـ ٦٣. م