ثم قال : « وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين » وطلع كافرا ، (١) وعلم الله تعالى ذكره أنه إن بقي كفر أبواه وافتتنا به وضلا بإضلاله إياهما ، فأمرني الله تعالى ذكره بقتله وأراد بذلك نقلهم إلى محل كرامته في العاقبة ، فاشترك بالابانة بقوله : « فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا * فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكوة وأقرب رحما » وإنما اشترك في الابانة لانه خشي والله لا يخشى لانه لا يفوته شئ ولا يمتنع عليه أحد أراده(٢) وإنما خشي الخضر من أن يحال بينه وبين ما امر فيه فلا يدرك ثواب الامضاء فيه ، ووقع في نفسه أن الله تعالى ذكره جعله سببا لرحمة أبوي الغلام ، فعمل فيه وسط الامر من البشرية مثل ما كان عمل في موسى عليهالسلام لانه صار في الوقت مخبرا وكليم الله موسى عليهالسلام مخبرا ، ولم يكن ذلك باستحقاق للخضر عليهالسلام للرتبة على موسى عليهالسلام وهو أفضل من الخضر ، بل كان لاستحقاق موسى للتبيين.
ثم قال : « وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز لهما وكان أبوهما صالحا » ولم يكن ذلك الكنز بذهب ولا فضة ، ولكن كان لوحا من ذهب فيه مكتوب : عجب لمن أيقن بالموت كيف يفرح؟! عجب لمن أيقن بالقدر كيف يحزن؟! عجب لمن أيقن أن البعث حق كيف يظلم؟! عجب لمن؟ رى الدنيا وتصرف أهلها حالا بعد حال كيف
_________________
(١) في نسخة : وطبع كافرا.
(٢) أقول : على بعض ما ذكرنا من الوجوه يمكن أن يكون حاصل الكلام أن اشتراكه مع الرب تعالى في الابانة واظهار الفعل لم يكن الا لانه صار في الوقت مخبرا ومعلما لموسى عليهالسلام مع كونه أفضل ، ولهذا الوجه أيضا عمل فيه البشرية فصار سببا للاشتراك في الابانة ، فقوله : ( لانه خشى ) تعليل لاسناد الاشتراك في الابانة في قوله : « فخشينا » إلى البشرية كما أومأنا اليه. وتفطن بعض الازكياء من أصحابنا عند عرضه على بوجه آخر : وهو أن يكون الابانة في المواضع هى الارادة فقط او اريد بها الارادة لانه نسب الارادة في أول الكلام إلى نفسه وفى آخره إلى الرب ، و شركها في وسط الكلام بين نفسه وبين الرب تعالى بقوله : « فاردنا ». وقوله : وإنما اشترك في الابانة بيان لانه لم خصصنا الاشتراك بالابانة أى الارادة لان في الخشية لا يتعقل ارادة الاشتراك لان الخوف لا يناسب جنابه سبحانه بوجه من الوجوه ، فلا يمكن أن ينسب إلى الخضر عليهالسلام أن ينسبه إليه تعالى ، فلابد أن يكون أراد بقوله : « خشينا » نفسه فقط وقوله : ( ووقع في نفسه ) بيان لان الاشتراك في الارادة كان من عمل البشرية ، ولم يكن على ما ينبغى ، وهذا ايضا وجه حسن وإن كان ما ذكرنا أتم وأكمل. والله يعلم. منه قدسسره الشريف.