لنفسك. يا ابن عمران لعلك تفوز غدا يوم السؤال ، وهنالك يخسر المبطلون. يا موسى طب نفسا عن الدنيا وانطو عنها ، فإنها ليست لك ولست لها ، مالك ولدار الظالمين إلا لعامل فيها بخير(١) فإنها له نعم الدار.
يا موسى الدنيا وأهلها فتن بعضها لبعض ، فكل مزين(٢) له ما هو فيه ، والمؤمن زينت له الآخرة فهو ينظر إليها ما يفتر ، قد حالت شهوتها(٣) بينه وبين لذة العيش فأدلجته(٤) بالاسحار كفعل الراكب السابق(٥) إلى غايته ، يظل كئيبا ، ويمسي حزينا ، فطوبى له ، لو قد كشف الغطاء ماذا يعاين من السرور؟!
يا موسى إذا رأيت الغنى مقبلا فقل : ذنب عجلت عقوبته ، وإذا رأيت الفقر مقبلا فقل : مرحبا بشعار الصالحين ، ولا تكن جبارا ظلوما ، ولا تكن للظالمين قرينا. يا موسى ما عمر وإن طال ما يذم آخره ، وما ضرك ما زوي عنك إذا حمدت مغبته.(٦) يا موسى صرخ الكتاب إليك صراخا(٧) بما أنت إليه صائر ، فكيف تقرد على هذا العيون أم كيف يجد قوم لذة العيش لولا التمادي في الغفلة والتتابع في الشهوات ، ومن دون هذا جزع الصديقون؟!
يا موسى مر عبادي يدعوني على ما كان بعد أن يقروا بي إني أرحم الراحمين ، اجيب المضطرين ، وأكشف السوء ، وابدل الزمان ، وآتي بالرخاء ، وأشكر اليسير ، واثيب
_________________
(١) في المصدر والروضة : بالخير.
(٢) في المصدر : فكل أمر مزين له ما هو فيه.
(٣) في نسخة : قد حالت شهوتها لذتها بينه اه.
(٤) قال المصنف في مرآت العقول : الادلاج : السير بالليل ، وظاهر العبارة انه استعمل هنا متعديا بمعنى التسيير بالليل ، ولم يأت فيما عندنا من كتب اللغة ، ويمكن ان يكون على الحذف و الايصال أى أدلجت الشهوة معه وسيرته بالاسحار كالراكب الذى يسابق قرنه إلى الغاية التى يتسابقان إليها. والغاية هنا : الجنة والفوز بالكرامة والقرب والحب والوصال ، أو الموت وهو أظهر.
(٥) في الروضة : السائق.
(٦) أى ما منعت وصرفت عنه. والمغبة بفتح الميم والغين وتشديد الباء : عاقبة الشئ.
(٧) في نسخة من المصدر : صرح الكتاب صراحا. وفى الروضة : صرح اليك الكتاب صراحا.