حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، ويشيع الجنائز ، ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، و يتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله ، ولا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه قرآن أو لم تجر عظة ، وربما ضحك من غير قهقهة ، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس (١) ، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة ، ولا لاموا أحدا إلا قال : دعوه ، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الاسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يغفر ويصفح ، يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن رامه (٢) بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها ، وإذا القي مسلما بدأه بالمصافحة ، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ، يجلس (٣) حيث ينتهى به المجلس ، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة ، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته ، وكان في الرضا والغضب لا يقول : إلا حقا ، وكان يأكل القثاء بالرطب و الملح ، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب ، وأكثر طعامه الماء والتمر ، و كان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الاطيبين ، وكان أحب الطعام إليه اللحم ، ويأكل الثريد باللحم ، وكان يحب القرع ، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده ، وكان يأكل الخبز والسمن ، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ، ومن القدر الدبا ، ومن الصباغ الخل ، ومن التمر العجوة (٤) ، ومن البقول الهندبا والباذروج (٥) والبقلة اللينة (٦).
____________________
(١) في المصدر : ولا في ملبس.
(٢) أى قصده وأتاه.
(٣) في المصدر : وكان يجلس.
(٤) العجوة : التمر المحشى في وعائه.
(٥) الهندبا والهندباء : بقل معروف ، يقال له بالفارسية : كاسنى. والباذروج قال الفيروزآبادي بفتح الذال : بقلة يقوى القلب جدا ويقبض إلا ان يصادف فضلة فيسهل.
(٦) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٠٠ و ١٠١.