وقوله تعالى : « فلا تنسى*إلا ما شاء الله (١) ، » وما أسلفنا من الاخبار وغيرها ، وإطباق الاصحاب إلا ما شذ منهم على عدم جواز السهو عليهم ، مع دلالة بعض الآيات والاخبار عليه في الجملة ، وشهادة بعض الدلائل الكلامية والاصول المبرهنة عليه ، مع ما عرفت في أخبار السهو من الخلل والاضطراب ، وقبول الآيات للتأويل ، والله يهدي إلى سواء السبيل.
قال السيد المرتضى قدس الله روحه في كتاب تنزيه الانبياء : فإن قيل : ما معنى قوله : « لا تؤاخذني بما نسيت (٢) » وعندكم أن النسيان لا يجوز على الانبياء عليهمالسلام؟
فأجاب بأن فيه وجوها ثلاثة : أحدها : أنه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدة ، فإن الانسان ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.
والوجه الثاني : أنه أراد لا تؤاخذني بما تركت ، ويجري ذلك مجرى قوله تعالى « ولقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسى (٢) » أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس ، عن ابي بن كعب ، عن رسول الله (ص) قال : قال موسى (ع) : « لا تؤاخذني بما نسيت (٣) » يقول : بما تركت من عهدك.
والوجه الثالث : أنه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسيانا للمشابهة ، كما قال المؤذن لاخوة يوسف عليهالسلام : « إنكم لسارقون (٤) » أي أنكم تشبهون السراق ، وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها ، وإذا حملناه على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيه أن النبي (ص) إنما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه ، أو في شرعه ، أو في أمر يقتضي التنفير عنه ، فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان ، ألا ترى أنه إذا نسي أو سها في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر
___________________
(١) الاعلى : ٦ و ٧.
(٢) طه : ١١٥.
(٣) الكهف : ٧٣.
(٤) يوسف : ٧٠.