بل للعناد والتعصب ، وعلم أنه لو أعطاهم مطلوبهم فهم لا يؤمنون ولا يفترون (١) ، فلهذا السبب ما أعطاهم مطلوبهم لعلمه تعالى أنه لا فائدة في ذلك ، فالمراد من قوله : « ولكن أكثرهم لا يعلمون » هو أن القوم لا يعلمون أنهم لما طلبوا ذلك على سبيل التعنت و التعصب ما أعطاهم (٢) ، ولو كانوا عالمين لطلبوا ذلك على سبيل طلب الفائدة ، فكان الله يعطيهم ذلك على أكمل الوجوه. انتهى كلامه (٣).
أقول : يمكن أن يقال في المقام الاول : إن ما ذكروه من إنزال الآية كالصريح في أنهم طلبوا أمرا بينا يرون نزوله من السماء ، كنزول الملائكة عيانا ، أو نزول الكتاب كذلك ، أو نزول كسف من السماء ، وهذا لا ينافي وقوع سائر المعجزات من الاخبار بالمغيبان ، وإحياء الاموات ، وشق القمر ، وغير ذلك ، وورود الانزال في سائر الآيات في إنزال القرآن والاحكام وغيرها مجازا لا يوجب صرف تلك الآية أيضا عن الحقيقة مع عدم الداعي إليه ، بل وجود القرينة على المعنى الحقيقي ، قوله تعالى : « مصدق الذي بين يديه » لكونه مطابقا لها في الاصول ، ولشهادته بحقيقتها ، ولورودها بالصفة التي نطقت بها الكتب المتقدمة.
قوله تعالى : « ومن قال سانزل مثل ما أنزل الله » قال الطبرسي رحمهالله قال الزجاج : هذا جواب لقولهم : « لو نشاء لقلنا مثل هذا » فادعوا ثم لم يفعلوا ، وبذلوا النفوس والاموال ، واستعملوا سائر الحيل في إطفاء نور الله ، وأبى الله إلا أن يتم نوره ، وقيل : المراد به عبدالله بن سعد بن أبي سرح أملى عليه رسول الله (ص)ذات يوم : « ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين » إلى قوله : « ثم أنشأناه خلقا آخر (٤) » فجرى على لسان ابن أبي سرح « فتبارك الله أحسن الخالقين » فأملاه عليه وقال : هكذا انزل ، فارتد عدو الله ، وقال : إن كان محمد صادقا فلقد اوحي إلي كما اوحي إليه ، ولئن كان كاذبا فلقد
___________________
(١) المصدر خال عن قوله : لا يفترون.
(٢) في المصدر : فان الله لا يعطيهم مطلوبهم.
(٣) مفاتيح الغيب ٤ : ٥٣ ـ ٥٥.
(٤) المؤمنون : ١٢ ـ ١٤.