والشبهة الثانية لهم : قوله تعالى : « وقالوا أساطير الاولين » ما سطره المتقدمون ، كأحاديث رستم وإسفنديار ، « اكتتبها » انتسخها محمد (ص) من أهل الكتاب ، يعنى عامرا وبشارا (١) وجبيرا ، ومعنى اكتتب هنا أمر أن يكتب له ، كما يقال : احتجم وافتصد : إذا أمر بذلك « فهي تملى عليه » أي يلقى عليه كتابه ليتحفظها « بكرة وأصيلا » قال الضحاك : ما يملى عليه بكرة وأصيلا يقرؤه عليكم (٢) ، وقال الحسن : هو قوله تعالى جوابا عن قولهم كأنه قال : إن هذه الآيات تملى عليه بالوحي حالا بعد حال ، فكيف ينسب إلى أنه أساطير الاولين؟ وجمهور المفسرين على أنه من كلام القوم ، فأجاب تعالى بقوله : « قل أنزله الذي يعلم السر » الآية ، وتقريره ما قدمنا أنه صلىاللهعليهوآله تحداهم و ظهر عجزهم ، فلو كان استعان بغيره لكان عليهم أن يستعينوا بأحد ، فلما عجزوا ثبت أنه وحي الله تعالى وكلامه ، فلهذا قال : « قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والارض » وذلك لان القادر على تركيب ألفاظ القرآن لابد وأن يكون عالما بكل المعلومات ظاهرها وخفيها « ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا » (٣) ولاشتماله على الاحكام التي هي مقتضية لمصالح العباد ونظام العالم ، وذلك لا يكون إلا من العالم بكل المعلومات ، ولاشتماله على أنواع العلوم ، وذلك لا يأتي إلا من العالم بكل المعلومات ، إلى غير ذلك
___________________
(١) هكذا في نسخة المصنف ، وهو مصحف يسارا. كما فيما تقدم وفى المصدر ، وفى المصدر : جبرا بدل جبيرا.
(٢) في المصدر : ما يملى عليه بكرة يقرؤه عليكم عشية ، وما يتلى عليه عشية يقرؤه عليكم بكرة.
(٣) قد لخص المصنف هنا كلام الرازى ونقل معناه ولذلك وقع خلل في العبارة ، والصحيح من كلامه هكذا : وذلك لان القادر على تركيب ألفاظ القرآن لابد وأن يكون عالما بكل المعلومات ظاهرها وخافيها من وجوه : أحدها : أن مثل هذه الفصاحة لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات ، وثانيها أن القرآن مشتمل على الاخبار عن الغيوب ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم بكل المعلومات.
وثالثها : أن القرآن مبرأ عن النقص ، وذلك لا يتأتى إلا من العالم ، على ما قال تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا.
ورابعها : اشتماله على الاحكام التى هى مقتضية لمصالح العباد أه ثم عد خامسها قوله : لاشتماله على أنواع العلوم.