مما مر من وجوه الاعجاز في القرآن (١).
قوله : « لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة » قال الرازي : هذا هو الشبهة الخامسة لمنكري نبوة محمد (ص) ، فإن أهل مكة قالوا : تزعم أنك رسول من عند الله ، أفلا تأتينا بالقرآن جملة كما انزل التوراة جملة على موسى ، والانجيل على عيسى ، والزبور على داود؟ وأجاب الله عنه بقوله : كذلك لنثبت به فؤادك.
بيانه من وجوه :
أحدها : أنه (ص)لم يكن من أهل القراءة والكتابة ، فلو نزل عليه جملة واحدة كان لا يضبط ، ولجاز عليه الخطأ (٢) والغلط.
وثانيها : أن من كان الكتاب عنده فربما اعتمد على الكتاب ، وتساهل في الحفظ ، فالله تعالى ما أعطاه الكتاب دفعة ، بل كان ينزل عليه وظيفة ليكون حفظه له أكمل ، فيكون أبعد عن المساهلة وقلة التحصيل.
وثالثها : أنه تعالى لو انزل الكتاب جملة لنزلت الشرائع بأسرها دفعة واحدة على الخلق ، فكان يثقل عليهم ذلك لا جرم نزلت التكاليف قليلا قليلا ، فكان تحملها أسهل.
ورابعها : أنه إذا شاهد جبرئيل حالا بعد حال يقوى قلبه بمشاهدته ، فكان أقوى على الصبر على عوارض النبوة ، وعلى احتمال أذية قومه وعلى الجهاد.
وخامسها : أنه لما شرط الاعجاز فيه مع كونه منجما ثبت كونه معجزا ، فإنه لو كان ذلك مقدورا للبشر لوجب أن يأتوا بمثله منجما مفرقا.
وسادسها : كان القرآن ينزل بحسب أسؤلتهم والوقائع الواقعة لهم ، وكانوا يزدادون بصيرة ، لان بسبب ذلك كان ينضم مع الفصاحة الاخبار عن الغيوب.
وسابعها : أن القرآن لما نزل منجما مفرقا وهو (ص) كان يتحداهم من أول الامر وكان يتحداهم (٣) بكل واحد من نجوم القرآن ، فلما عجزوا عنه فعن معارضة الكل
___________________
(١) مفاتيح الغيب ٦ : ٣٠٢ و ٣٠٣.
(٢) في المصدر : ولجاز عليه الغلط والسهو.
(٣) في المصدر : فكأنه تحداهم.