الجفاة من بني تميم لم يعلموا في أي حجرة هو فكانوا يطوفون على الحجرات وينادونه « أكثرهم لا يعقلون » إذ لم يعرفوا مقدار النبي (ص) ولا ما استحقه من التوقير ، فهم بمنزلة البهائم « ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم » من أن ينادوك من وراء الحجرات (١).
قوله تعالى : « من نجوى ثلاثة » قال البيضاوي : ما يقع من تناجي ثلاثة ، ويجوز أن يقدر مضاف ، أو يأول نجوى بمتناجين ويجعل ثلاثة صفة لها « إلا هو رابعهم » إلا أن الله يجعلهم أربعة من حيث أنه يشاركهم في الاطلاع عليها « ولا خمسة » ولا نجوى خمسة « إلا هو سادسهم » وتخصيص العددين إما لخصوص الواقعة فإن الآية نزلت في تناجي المنافقين ، أو لان الله وتر يحب الوتر ، والثلاثة أول الاوتار ، أو لان التشاور لابد له من اثنين يكونان كالمتنازعين ، وثالث يتوسط بينهما « ولا أدنى من ذلك » ولا أقل مما ذكر كالواحد والاثنين « ولا أكثر إلا هو معهم » يعلم ما يجري بينهم « أينما كانوا » فإن علمه بالاشياء ليس لقرب مكاني حتى يتفاوت باختلاف الامكنة « ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة » تفضيحا لهم وتقريرا لما يستحقونه من الجزاء (٢).
وقال الطبرسي رحمهالله في قوله : « ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى » : نزلت في اليهود و المنافقين ، إنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين ، وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم ، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا : ما نراهم إلا وقد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو مصيبة أو هزيمة فيقع ذلك في قلوبهم ويحزنهم ، فلما طال ذلك شكوا إلى رسول الله (ص) فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين ، فلم ينتهوا عن ذلك وعادوا إلى مناجاتهم ، فنزلت الآية « ويتناجون بالاثم والعدوان » في مخالفة الرسول وهو قوله : « ومعصية الرسول » وذلك أنه نهاهم عن النجوى فعصوه (٣) ، أو يوصي بعضهم بعضا بترك أمر الرسول والمعصية له « وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله » وذلك أن اليهود كانوا يأتون
___________________
(١) مجمع البيان ٩ : ١٢٩ ـ ١٣١.
(٢) أنوار التنزيل ٢ : ٥٠٤.
(٣) في المصدرهنازيادةهى : ويجوز أن يكون الاثم والعدوان ذلك السر الذى يجرى بينهم لانه شئ يسوء المسلمين.