« واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما » فلما أمره الله تعالى بالاستغفار دل على سبق الذنب
فالجواب من وجوه : الاول لعله مال طبعه إلى نصرة طعمة ، بسبب أنه كان ظاهرا من المسلمين ، فامر بالاستغفار لهذا القدر ، وحسنات الابرار سيئات المقربين.
الثاني : إن القوم لما شهدوا على سرقة اليهودي وعلى براءة طعمة من تلك السرقة ولم يظهر للرسول (ص) ما يوجب القدح في شهادتهم هم أن يقضي بالسرقة على اليهودي ، ثم لما اطلعه الله على كذب هؤلاء الشهود عرف أن ذلك القضاء لو وقع كان خطاء (١) ، و استغفاره كان بسبب أنه هم بذلك الحكم الذي لو وقع لكان خطاء في نفسه ، وإن كان معذورا عند الله فيه.
الثالث : قوله : « واستغفر الله » يحتمل أن يكون المراد واستغفر الله لاولئك الذين يذبون عن طعمة ، ويريدون أن يظهروا براءته عن السرقة (٢) ، والمراد بالذين يختانون أنفسهم طعمة ومن عاونه من قومه ممن علم كونه سارقا ، والاختيان : الخيانة ، وإنما قال : « يختانون أنفسهم» ، لان من أقدم على المعصية فقد حرم نفسه الثواب ، وأوصلها إلى العقاب ، فكان ذلك منه خيانة مع نفسه « من كان خوانا أثيما » أي طعمة ، حيث خان في الدرع ، وأثم في نسبة اليهودى إلى تلك السرقة (٢).
قوله تعالى : « ولولا فضل الله عليك ورحمته » أي لولا أن الله خصك بالفضل وهو النبوة وبالرحمة وهي العصمة « لهمت طائفة منهم أن يضلوك » أي يلقونك في الحكم الباطل الخطاء « وما يضلون إلا أنفسهم » بسبب تعاونهم على الاثم والعدوان ، وشهادتهم بالزور والبهتان « وما يضرونك من شئ » فيه وجهان : أحدهما ما يضرونك من شئ في المستقبل ، فوعده تعالى في هذه الآية إدامة العصمة لما يريدون (٤) من إيقاعه في الباطل.
___________________
(١) في المصدر : لكان خطاءا ، فكان استغفاره.
(٢) في المصدر : بعد ذلك : ثم قال تعالى : ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما.
(٣) مفاتيح الغيب ٣ : ٣٠٧ و ٣٠٨.
(٤) في المصدر : فوعده الله تعالى في هذه الاية بادامة العصمة له مما يريدون.