الحق الذي لا مدخل فيه للمرية ، فلا تكونن من الممترين « ولا تكونن من الذين كذبوا بآيات الله » أي اثبت ودم على ما أنت عليه من انتفاء المرية عنك وانتفاء التكذيب ، و بجوز أن يكون ذلك على سبيل التهييج وإظهار التسدد ، ولذلك قال (ص) عند نزوله : لا أشك ولا أسأل أشهد أنه الحق انتهى (١).
وذكر الطبرسي رحمهالله أكثر تلك الوجوه ، وقال بعد إيراد الوجه الاول من الوجوه الذي ذكره الرازي : وروى عن الحسن وقتادة وسعيد بن جبير أنهم قالوا : إن النبي (ص) لم يشك ولم يسأل وهو المروي أيضا عن أبي عبدالله (ع) ، وقال بعد إيراد الوجوه في سؤال أهل الكتاب : وقال الزهري : إن هذه الآية نزلت في السماء ، فان صح ذلك فقد كفى المؤونة (٢) ، ورواه أصحابنا أيضا عن أبي عبدالله (ع) ، وقيل أيضا : إن المراد بالشك الضيق والشدة بما يعاينه من تعنتهم وأذاهم ، أي إن ضقت ذرعا بما تلقى من أذى قومك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك كيف صبر الانبياء على أذى قومهم فاصبر كذلك (٣).
قوله تعالى : « فلا تك في مرية » أي في شك ، وقد مر الكلام في أن النهي عن المرية لا يدل على حصولها ، مع إمكان الخطاب العام. أو توجه الخطاب واقعا إلى الغير ، « مما يعبد هؤلاء » أنه باطل ، وأن مصير من يعبدهم إلى النار « ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل » أي من جهة التقليد بلا حجة « وإنا لموفوهم نصيبهم من العذاب غير منقوص » أي على مقدار ما يستحقونه ، فآيسهم سبحانه بهذا القول عن العفو والمغفرة « فاستقم » أي على الوعظ والانذار والتمسك بالطاعة ، والامر بها والدعاء إليها كما امرت في القرآن وغيره « ومن تاب معك » أي وليستقم من تاب معك من الشرك كما امروا ، أو من رجع إلى الله وإلى نبيه ، وقيل : استقم أنت على الاداء ، وليستقيموا على القبول « ولا تطغوا » أي لا تجاوزوا أمر الله بالزيادة والنقصان فتخرجوا عن حد الاستقامة.
___________________
(١) مفاتيح الغيب ٥ : ٢٦ ـ ٢٨.
(٢) لانه صلىاللهعليهوآله امر بالسؤال حينئذ عن أرواح الانبياء ومؤمنى الامم الماضية
(٣) مجمع البيان ٥ : ١٣٣.