قوله تعالى : « وما أرسلنا من قبلك » قال الرازي : ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآية أن الرسول لما رأى إعراض قومه عنه شق عليه ما رأى من مباعدتهم عما جاءهم به تمنى في نفسه أن يأتيهم من الله ما يقارب بينه وبين قومه ، وذلك لحرصه على إيمانهم فجلس ذات يوم في ناد (١) من أندية قريش كثير أهله ، وأحب يومئذ أن لا يأتيه من الله شئ ينفروا عنه ، وتمنى ذلك فأنزل تعالى سورة « النجم (٢) إذا هوى » فقرأها رسول الله (ص) حتى بلغ « أفرأيتم اللات والعزى * ومناة الثالثة الاخرى » ألقى الشيطان على لسانه « تلك الغرانيق (٣) العلى * منها الشفاعة ترتجى » فلما سمعت قريش فرحوا ، ومضى رسول الله (ص) في قراءته وقرأ السورة كلها فسجد المسلمون لسجوده ، وسجد جميع من في المسجد من المشركين ، فلم يبق في المسجد مؤمن ولا كافر إلا سجد سوى الوليد ابن المغيرة وسعيد بن العاص ، فإنهما أخذا حفنة (٤) من البطحاء ورفعاها إلى جبهتيهما وسجدا عليها ، لانهما كانا شيخين كبيرين لم يستطيعا السجود ، وتفرقت قريش وقد سرهم ما سمعوا ، وقالوا : قد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر ، فلما أمسى رسول الله (ص) أتاه جبرئيل (ع) فقال : ماذا صنعت؟ تلوت على الناس ما لم آتك به عن الله؟ وقلت : ما لم أقل
___________________
(١) النادى : المجلس.
(٢) في المصدر : والنجم.
(٣) في النهاية : الغرانيق ههنا الاصنام ، وهى في الاصل : الذكور من طير الماء واحدها غرنوق وغرنيق ، سمى به لبياضه ، وقيل : هو الكركى ، والغرنوق أيضا الشاب الناعم الابيض ، وكانوا يزعمون أن الاصنام تقربهم من الله وتشفع لهم ، فشبهت بالطيور التى تعلو في السماء وترتفع انتهى أقول : حديث الغرانيق من الخرافات التى روتها العامة ، وهو موضوع مما لا أصل له ، والعجب من علماء أهل السنة كيف رووه في كتبهم وفيه إزراء شنيع للرسول المطهر صلىاللهعليهوآله وهتك لقداسته وحرمته ، فكيف يجوز لمسلم آمن بالله وعرف رسوله وصدقه أن يتفوه بمثل هذا الكلام في حق النبى الذى لا ينطق إلا عن الوحى ولا يفعل إلا ما فيه رضا الرب ، فلو كان يثبت ذلك فهل يمكن أن يعتمد على قول من هذا قوله وفعاله ، أليس يشك كل من سمع منه حكما من أحكام الدين في أنه هل اوحى إليه بذلك أو ألقى الشيطان في امنيته ، نعوذ بالله من الضلال والخذلان واتباع وساوس الشيطان.
(٤) الحفنة : ملء الكفين. وفى المصدر : أخذا حفنة من التراب من البطحاء.